للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فليعلم الطالب أن النكاح تعلق بسببين: أحدهما - النظر في الأصلح، من غير اعتبار حاجة.

والثاني - الحاجة الحاقة، فنذكر لكل قسم مثالاً، ثم نلحق به مواقع [اللبس] (١).

فالأب يزوج الصغيرة البكر استصلاحاً، من غير حاجة حاقّة، وكذلك يزوج البكر البالغة، وهي راغمة مبديةً إباءها وسخطها. ويزوج من ابنه الطفل استصلاحاً ونظراً، وإن لم تتحقق حاجة حاقّة إلى التمتع في حالة الصغر. وبناءُ الأمر على أن الحاجة وإن لم تكن، فالأب يتوقع كونها عند البلوغ، ويرى رأيه في الحال والاستقبال، ويرى له نظره لنفسه، ولا يخصص تصرفه بما ينتجز، بل ينظر في مغبّات الأمور على حكم الاستصلاح هذا مثالٌ في قسم.

ومثال القسم الثاني: أن الابن البالغ المجنون الذي طبق الجنون عليه، لا يزوج منه أبوه، إلا لحاجة داعية إلى التزويج، ناجزة في الحال، وهي التشوف أو طلب الشفاء، على ما سنصفه، إن شاء الله تعالى.

والفرق أن الابن الصغير تمتُّعه استصواباً واستصلاحاً، مأمول عند بلوغه، فكان التزويج فيه مبنياً على ذلك، والابن البالغ المجنون لا منتهى لجنونه، والتزويج منه لا يقع موقع استصلاح، إلا إذا كان لدرء حاجة؛ على أن التزويج يلزمه مؤنة [دارَّةٌ] (٢) وغرماً في المهر متنجزاً؛ فكان هذا النوع من التزويج مبنياً على الحاجة.

٧٩٤٥ - فإذا تبين القسمان، ألحقنا بهما ما نريد، فنقول: أما المجنونة البالغة إن كان يزوجها الأب، لم يعتبر في تزويجها تحقق الحاجة، بل يزوجها للمصلحة، كما يزوج الصغيرة للمصلحة؛ فإن في تزويجها كفاية مؤونتها، وإعفافها عما يتوقع من تشوفٍ إن كان.

وأما تزويج السلطان للمجنونة؛ فقد تردد الأصحاب فيه: منهم من لم ير له تزويجها مع الأخ إلا للحاجة؛ فإن نظره يقصر عما يتعلق به نظر الشفيق الذي هو على


(١) في الأصل: اللبث.
(٢) في الأصل: دارِه (بهذا الضبط). ودارّة: أي متجدّدة دائمة لا تنقطع (معجم).