للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو قال قائل: ولايته في التزويج في محل تحقق الحاجة، لكان قوله سديداً؛ ولذلك يلي حيث لا ولي، وهو المعني بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "السلطان ولي من لا ولي له" (١). وفحوى الحديث دال على أن تزويجه ليس على حقيقة الولاية؛ ولذلك يزوج بالنيابة القهرية في العضل والغَيْبة، فتزويج الأمة ومالكتها مُطْلَقَةٌ (٢) -عندي- ينزل منزلة الحرة المجنونة، والعقد دائر بين أخيها والسلطان؛ فإن الأخ يبعد أن يزوج مُجبِراً، والسلطان يبعد أن يلي مع الأخ. ولكن يقع تزويجها بحكم الحاجة، وتردد الأصحابُ في أن الولي، السلطان أم الأخ؟ فهذا منتهى القول في ذلك.

ولتردد تزويج الأمة بين الولاية والملك التفت بعض أصحابنا إلى اشتراط صفات الأولياء في المالك المطلق المزوّج لأمته، حتى قال: الفاسق لا يزوج أمته، إذا قلنا لا يلي الفاسق، وهذا غلط صريح؛ فإن تزويج السيد أمته بمحض الملك، وإنما يتردد الرأي في تزويج ولي المرأة أمتها. نعم، إن ظن ظان ذلك؛ من ثبوت الحظ للأمة في التزويج، فله وُجَيْهٌ على البعد؛ فإنا أوضحنا أن حظ الأمة اندفاع الضرار عنها.

٧٩٦٧ - ومما أريد استتمام الفصل به؛ أن من نكح الأمة ثبت له حق استحلالها عموماً، ولكنه مزحوم بحق الموْلى في المنفعة، وليس الحِلّ منقسماً على الزمان، وإنما هو عام، ولكن السيد مقدم بحق المنفعة، فلو ترك السيد حقه من المنفعة، فحق الزوج في الاستحلال مطّرد، ولو انتهز الزوج فرصته في أثناء مدة انتفاع السيد واستمتع على وجهٍ لا ينقُص حقَّ الانتفاع، فلا بأس، وقد صادف مستمتَعاً مباحاً.

ولو كان انتفاع السيد بحرفة الأمة، وكان يتأتى منها الاحتراف بها في دار الزوج،


(١) حديث "السلطان ولي من لا ولي له" جزء من حديث عائشة: "أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها، فنكاحها باطل"، أخرجه الشافعي في الأم: ٥/ ٣، وأبو داود برقم ١٠٨٣، والترمذي، رقم ١١٠٢، وابن ماجه برقم ١٨٧٩، وأحمد: ٦/ ٤٧، ١٦٥ - ١٦٦، والحاكم: ٢/ ١٦٨، وقد صححه الألباني، وانظر تلخيص الحبير: ٣/ ٣٢٤ برقم ١٦٠٧.
(٢) "مطلقة" أي غير محجورٍ عليها.