وهذا لا ينفع مع المزني مع مصيره إلى أن جارية الابن لا تصير مستولدة الأب.
ثم إذا فرّعنا على ظاهر المذهب، فلا شك أن الأب المستغني بثروته لا يستحق على ابنه أن يعفه، وإنما يستحق ذلك على الابن الأبُ المحتاج. ثم سيأتي في النفقات -إن شاء الله تعالى- أن الأب الفقير يستحق النفقة على ابنه الموسر، إذا كان زمِناً غير كسوب مع فقره، فإن لم يكن زَمِناً، وكان يتأتى منه أن يكتسب ما يقوته؛ ففي وجوب النفقة قولان، سيأتي أصلهما وفرعهما، إن شاء الله تعالى.
٨٠٠٩ - ثم اختلف أصحابنا في المسألة على طرق: فمنهم من قال: الإعفاف يتبع النفقة ثبوتاً وانتفاء، وفاقاً وخلافاً، فمهما استحق الأبُ الإنفاق على ابنه، لم يبعد أن يستحق عليه أن يُعفه، وإذا لم يكن [بحيث يستحق](١) النفقة، فلا يستحق الإعفاف.
فمن أصحابنا من قال: إن وجبت النفقة، وجب الإعفاف، وإن لم تجب النفقة -على أحد القولين- بسبب كون الأب قويّاً سويّاً؛ فهل يجب إعفافه؟ فعلى وجهين: أحدهما - أنه لا يجب.
والثاني - يجب؛ فإن الإعفاف في غالب الحال يليق بحال السويّ، والحاجة في هذا الفن تطابق حالة قوة من المحتاج.
وذكر الشيخ أبو علي طريقة ثالثة على العكس من ذلك، فقال: إذا أوجبنا النفقة قولاً واحداً، فلا يبعد أن نوجب الإعفاف، وإن جعلنا المسألة على قولين - في وجوب النفقة في بعض الصور، رتبنا الإعفاف عليه، وقلنا: إن لم نوجب النفقة، لم نوجب الإعفاف، وإن أوجبنا النفقة، ففي وجوب الإعفاف وجهان؛ فإن الحاجة في النفقة تُفضي إلى الضرورة، والحاجة في الإعفاف لا تُفضي إلى حكم الضرورة؛ ولهذا يجب على الإمام أن ينفق على المحتاجين إذا لم يكن لهم من يختص بهم وينفق عليهم، ولا يجب على الإمام أن يُعف من بيت المال أحداً؛ فدل ذلك على أن الأمر في الإعفاف دون وجوب الإنفاق.