للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم، قال العراقيون: إذا اجتمع أب أب الأب، وأب أم؛ ففي أحدهما قوة وبُعد، وفي الثاني ضعف وقرب، ففي المسألة وجهان: أحدهما - أن القرب أولى.

والثاني - أن القرب ومزيد القوة يعتدلان، ومقتضى ذلك الاستواء؛ وكان ينقدح تقديم الأقوى، كما أنا في قول - نقدّم ابن الأخ (١) في عصوبة الولاء على الجد. من جهة اعتقادنا أن الإدلاء بطريق البنوة أقوى في استفادة العصوبة.

ثم حيث نحكم بالاستواء، فمؤنة الإعفاف لا يمكن قسمتها على الرجلين؛ فإنا لو فعلنا ذلك، لم ينتفع واحد منهما بما يخصه، ولم يتبلغ به إلى غرضه في الإعفاف؛ فلا وجه إلا تخصيص أحدهما.

وما طريق التخصيص، وهما مستويان؟

بعض أصحابنا أشار إلى القرعة، وذكر الشيخ أبو علي أن القاضي يجتهد، فيقدم من يرى منهما، والوجه فيه: أنهما إذا ادعيا الحاجة، فمن رأى ردَّ الأمر إلى الحاكم، قال: الحاكم ينظر في صفاتهما، وما يغلب على الظن من ظهور الحاجة من أحدهما، ثم يُقدم على هذا الوجه من يراه أولى. ولا شك أن الحاكم لا يحكم، فإن استوى الأمران عنده، فلا يتجه حينئذ -مع التنافس والظن الغالب في الاستواء- إلا القرعة.

وحاصل المذهب في هذا الطرف خلافٌ في أن القرعة هي المحكّمة إذا استويا في دعوى الحاجة، أم نظر السلطان؟ فإن حكّمنا القرعة، لم نرفع الأمر إلى السلطان، (٢ وإن لم نُحكّم القرعة، رفعنا الأمر إلى السلطان ٢)، فإن اجتهد، اتبعنا اجتهاده، وإن استويا في ظنه، فلا رجوع إلا إلى القرعة. وهذا بمثابة ما لو ازدحم رجلان إلى فوّهة معدن، وكان يعسر قسمة الحاصل فيه، وليس أحدهما بأن يخصص به أولى من الثاني، والحاجة ماسة في الحال، فقد نقول: يقرع بينهما، كما مضى.

٨٠١٢ - ثم يجب على الابن أن يعف أباه بما حصل به الغرض، فلو زوّجه عجوزاً


(١) ت ٣: نقدم الأخ. وهما صحيحتان معاً، (راجع ما سلف في ترتيب الأولياء).
(٢) ما بين القوسين سقط من (ت ٣).