للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال قائلون: لا يستحق الإعفاف إذا كان لا يستحق النفقة، والقياس عندنا أنه يستحق الإعفاف إذا احتاج إليه، وكانت يده لا تصل إلى ما يكفيه في ذلك؛ فإن المتبع هو الحاجة، وليس هذا كالفِطرة؛ فإن النفقة إذا سقطت، سقطت الفطرة، وإن كان لا يفضل من قوت القريب ما يخرجه فطرةً؛ والسبب فيه أن وجوب الفطرة لم يُنَط بحاجةٍ [واقعةٍ] (١) في الجبلّة، والإعفاف منوط (٢) بحاجة، فإذا وقعت؛ فلا أثر لسقوط النفقة ووجوبها، ولو سقط وجوب النفقة أياماً، لاستغنى الأب عنه لسقوط شهوته، وكان يحتاج إلى الإعفاف، فلا يجوز أن يكون هاهنا في وجوب الإعفاف خلاف.

وقد اشتمل ما ذكرناه على أصل إيجاب الإعفاف، وعلى من يستحق ذلك، وعلى من يستحق عليه، وعلى الحالات المرعية في ذلك.

٨٠١١ - واتفق أصحابنا على أن الجد -أبا الأب- يستحق من الإعفاف ما يستحقه الأب، وكذلك الجد أب الأم، وليس ذلك كتردد الأصحاب في أن الرجوع في الهبة هل يختص بأبِ الدِّنية؟ وذلك أن الرجوع في الهبة لا يجري فيه معنىً أصلاً، وإنما ورد الرجوع في الخبر في حق الأب؛ فأما الإعفاف؛ فتَدْاورُه على المعنى وسد الحاجة، فهو يجري مجرى النفقة في جهتها.

ولو اجتمع أب وجد، وكان ذاتُ يد الابن لا تفي إلا بإعفاف أحدهما، فالأب مقدم.

ولو كان في المسألة أب أب، وأب أم؛ فقد قطع العراقيون ومعظم المراوزة بتقديم أب الأب؛ فإنه مع أب الأم مستويان في القرب، وأب الأب يختص بمزيد القوة في جهة قرابته.

وذكر الشيخ أبو علي في ذلك وجهين: أحدهما - ما ذكره الأصحاب.

والثاني - أنهم سواء، نظراً إلى القرب المحض، وهذا بعيد، لم أره إلا له.


(١) في النسختين: واقفة.
(٢) في النسختين: منوطة.