للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما استحسنوا، والزنادقة، والدَّهرية، فلا يحل نكاح نسائهم، ولا تحل ذبائحهم.

ومنهم المجوس، فمذهبنا الصحيح ومذهب عامة الفقهاء أنه لا تحل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم. وعن أبي ثور تحليل مناكحتهم وذبائحهم، ومن أصحابنا من نقل هذا قولاً في المذهب، أوْرده بعض المصنفين، وحكاه لي من اثق به عن الشيخ أبي بكر الطوسي (١). والتعويل على تحريم المناكحة والذبيحة، والجزيةُ مأخوذةٌ منهم.

وقد روى عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "سُنّوا بهم سنة أهل الكتاب، [غير آكلي ذبائحهم، وناكحي نسائهم] (٢) " (٣).

٨٠٤٩ - فالكفار إذاً ثلاثة أقسام: منهم من تحل مناكحتهم وذبائحهم ويُقرون بالجزية لا محالة -إذا بذلوها- في ديار الإسلام، وهم اليهود والنصارى، ولا استرابة في تمسكهم بالتوراة والإنجيل، وإن حرفوها.

والقسم الثاني من الكفار - عبدة الأوثان والمعطَّلة (٤)، فهؤلاء تحرم مناكحتهم وذبيحتهم، ولا يُقَرون بالجزية.


(١) هو المشهور في رجال المذهب وأئمته بالنوقاني. سبق التعريف به في كتاب الوصايا.
(٢) في الأصل: في الجزية وذبائحهم، ونكاح نسائهم. وفي ت ٣: عبارة غير مقروءة، والتصويب من التلخيص الحبير، وهي رواية الرافعي في الشرح الكبير: ٨/ ٧٣.
(٣) حديث: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" أخرجه مالك في الموطأ: ١/ ٢٧٨، والشافعي، ترتيب مسند الشافعي: ٢/ ١٣٠، وأبو عبيد في كتاب الأموال: ص ٣٥ ح ٧٨، كلهم عن عبد الرحمن بن عوف، أما الاستثناء "غير ناكحي نسائهم وآكلي ذبائحهم" فقد رواه عبد الرزاق في مصنفه: ٦/ ٦٩، ٧٠ ح ١٠٠٢٨، وأيضاًً: ١٠/ ٣٢٦ ح ١٩٢٥٦، وابن أبي شيبة: ١٢/ ٢٤٢ ح ١٢٦٩١، ١٢/ ٢٤٦ رقم ١٢٧٠٦، والبيهقي: ٩/ ١٩٢، ٢٨٥.
وعقب الحافظ على الكلام في الحديث بتنبيه قال فيه: "تبين أن الاستثناء في حديث عبد الرحمن مدرج" ثم نقل عن الحربي الإجماع على المنع (أي من التزوج بنسائهم) إلا عن أبي ثور. (ر. التلخيص: ٣/ ٣٥٢ - ٣٥٤ ح ١٦٤٢، ١٦٤٣).
(٤) لا يذهبنّ بأحدٍ الوهمُ أن المراد (بالمعطّلة) هم المعتزلة!! كما أُشيع عنهم، ونبذهم بهذا اللقب مخالفوهم، وحاشى إمام الحرمين بل أي مسلم أن يعد المعتزلة من الكفار. وإنما المعطلة (هنا) من لا يثبتون الباري سبحانه وتعالى (كما قال شارح المقاصد، ونقله عنه صاحب كشاف اصطلاحات الفنون/مادة: ك. ف. ر) وستجد هذا المعنى في كلام الإمام قريباً.