للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقسم الثالث - المجوس، وهم يقرون بالجزية. والمذهب الذي عليه التعويل تحريم مناكحتهم وذبيحتهم.

واختلف قول الشافعي في أنه هل كان لهم كتاب، فرفع من بين أظهرهم، أو لم يكن لهم كتاب أصلاً (١)؟ وأحد القولين أنهم لم يكن لهم كتاب، ويشهد له قوله "سُنّوا بهم سنة أهل الكتاب"؛ فدل أنهم ليسوا أهل كتاب. والقرآن يدل على أنه كان قبل نزول القرآن كتابان لا غير، قال تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: ١٥٦] وشهدت الأخبار على ذلك، فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "مثلكم ومثل من كان قبلكم ... الحديث " (٢).

وروي أن نوفل الأشجعي قال: علامَ تؤخذ الجزية من المجوس، وليسوا أهل كتاب؛ فقال له المستورد العجلي: أترد سنة الشيخين؟ ثم لبّبه (٣)، فأتى به علي بن أبي طالب، فقال: أنا أعلمكم بأمر المجوس، فإن لهم كتاباً كانوا يدرسونه وعلماً يتعلمونه حتى واقع ملكهم أخته، فأرادوا رجمه، فقال: أنا على دين أبيكم آدم، وكان يزوّج بناته من بنيه، فأصبحوا وقد أُسْري (٤) على كتابهم" (٥). وهذا يشهد


(١) وعلى القولين لا تحل مناكحتهم، فهذا هو المذهب، كما قال إمام الحرمين. ر. الشرح الكبير: ٨/ ٧٢ والروضة: ٧/ ١٣٥، ١٣٦.
(٢) يشير بهذا إلى حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ضرب فيه المثل لأجر المسلمين في مقابلة أجر اليهود والنصارى، إذ جاء فيه: "وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى، كمثل رجلٍ استأجر أجراء، فقال: من يعمل من غُدوة إلى نصف النهار على قيراطٍ قيراطٍ؟ فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى، ثم قال: من يعمل من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين قيراطين؟ فأنتم هم ... إلخ". فالحديث يدل بإشارته على أنه كان قبلنا كتابان فقط.
ثم الحديث رواه أحمد في المسند، ومالك، والبخاري، والترمدي (ر. صحيح الجامع: ١/ ٤٥٨ ح ٢٣١٥).
(٣) لبَّبه: أخذه بثيابه من حول عنقه.
(٤) أُسْريَ على كتابهم: يقال: أسرى عليه: أتاه ليلاً، والمعنى أن كتابهم رُفع بليل (المعجم).
(٥) هذا الأثر عن نوفل الأشجعي، رواه البيهقي عن فروة بن نوفل، بهذا السياق نفسه مع اختلافٍ في بعض اللفظ (السنن الكبرى: ٩/ ١٨٨، ١٨٩).