للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شربةُ ماءٍ بمالٍ عظيم، وقِيمُ الأشياء تغلو بكثرة الراغبين، ويبعد عن قياس الرخص والتخفيفات أن نوجب على المسافر شراء ماء وضوءٍ واحدٍ بدنانيرَ كثيرةٍ، ونحن لا نكلفه أن يتقلّد مِنَّةَ قبول درهمٍ واحدٍ.

وهذا عندي يُحوج الناظرَ إلى مزيد فكرٍ؛ فإن المُهَجَ إذا أشفت على الزهوق، لم تغل المياه على أصحابها، ويعد الكثير -من حيث إنه سِداد الروح- نَزراً قليلاً، وابتياع الماء بهذه الأثمان للاستعمال في المهنة يعد غَبناً.

فالأقرب عندي أن يقال: لا نعتبر ثمن الماء عند الحاجة إلى سدّ الرمق؛ فإن ذلك لا ينضبط، ولكن نعتبر المكان والزمان، من غير انتهاء الأمرِ إلى سدّ الرماق والمهج. والله أعلم.

٢٨٩ - ولو كان مع الرجل ماء وهو يحتاج إليه لسقيه، تيمّم.

ثم القول فيما يناله من الضرورة لو توضأ بالماء، كالقول في الخوف المعتبر في المرض.

ولو لم يكن به عطش في الحال، ولكن يخاف العطشَ بين يديه، فليتزوّد الماءَ، مستظهراً به، وليتيمم. ولو كان رفيقه يحتاج إلى الماء، تعين عليه تسليم الماء إليه بالثمن، فلا يحلّ له أن يتوضأ (١ قال شيخي: يتزود لرفقائه، ولا يتوضّأ ١)، كما يتزوّد لنفسه.

وهذا فيه نظر (٢).

ولو كان هو محتاجاً، فهو أولى بمائه، وله أن يؤثر رفيقه على نفسه، فإن الإيثار من شيم الصالحين. ولو كان رفيقه يلهث عطشاً، وكان صاحب الماء يتزوّد لغَده في [محالّ] (٣) الخوف، فهذا فيه احتمالٌ عظيم، وتردّد، سأذكره في كتاب الأطعمة، عند تفصيل القول في الضرورات وأكل الميتة، وطعام الغير.


(١) ساقط من (د ٣).
(٢) في (ل): " وهذا فيه أدنى نظر ".
(٣) في الأصل: مجال.