للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معاوية، وعنده خمس، فقال صلى الله عليه وسلم: "أمسك أربعاً وفارق الخامسة"، قال: فعمدت إلى أقدمهن صحبة، ففارقتها (١).

هذا ما ذكره الشافعي من الأخبار.

وروى الأثبات حديثاً آخر لم يذكره الشافعي، وهو أن الحارث بن عمر الأسلمي أسلم وتحته ثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمسك أربعاً. وفارق أربعاً" (٢). فقال: فكنت أقول لمن أريد: تقدمي، ولمن لا أريد: تأخري، ولن تناشديني بالرحم والولد.

فإذا ثبت متعلق المذهب؛ فإنا نقول بعد ذلك: لو رددنا إلى القياس، لم ينتظم مذهبنا على هذا النسق، وكان يتجه أن نقول: إن نكح أكثر من أربع في عقد، وأسلم وأسلمن؛ فلا يثبت نكاح واحدة منهن، وكان ينقدح في هذا وجهان من القياس:

أحدهما - أن الإسلام إذا كان يدفع نكاح البعض -وإن قدّرنا الحكم بالإعراض (٣) قبلُ- فكان يجب أن يندفعن؛ إذ ليس بعضهن بالبقاء أولى من بعض، وطريان هذا يضاهي جمع أختين أو أكثر من أربعٍ في عقدة في الإسلام.

ولو نكح الرجل رضيعتين، فأرضعتهما مرضع وثبتت الأخوة بينهما، يندفع نكاحهما جميعاً، ولا نقول: يندفع نكاح إحداهما وللزوج الخيار، ونجعل ما يطرأ من استحالة الجمع مع التساوي في الدوام بمثابة الجمع بين الأختين عقداً، هذا وجه من القياس بيّن.

والوجه الثاني - أن أَولى العلماء بالحكم (٤) على الكفار بالإسلام الشافعي؛ فإنه يستتبعهم في موجب الشرع، ولا يتبع عقائدهم، وعليه بنى نفي الضمان عمن يريق


= وصححه البيهقي: (السنن: ٧/ ١٨٤)، وانظر (التلخيص: ٣/ ٣٦٠ ح ١٦٥٢).
(١) حديث نوفل أخرجه الشافعي (ترتيب مسند الشافعي: ٢/ ١٦ رقم ٤٤)، وانظر (التلخيص: ٣/ ٣٤٩ ص ١٦٣٨).
(٢) حديث الحارث بن عمر الأسلمي لم أصل إليه بهذا الاسم، ولعله تصحيف لما رواه البيهقي عن الحارث بن قيس بن عميرة الأسدي (ر. السنن الكبرى: ٧/ ١٨٣).
(٣) الإعراض: أي عدم الحكم لا بالصحة ولا بالفساد.
(٤) ت ٣: بالعلم.