للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما الجزية فلا يخفى مأخذها من النكاح والسفاح وملك اليمين ووطء الشبهة، ولسنا لتفصيلها على وضوحها.

واختلف أصحابنا في دية المتولد من اليهودي والمجوسية، فالذي ذهب إليه صاحب التلخيص أنا نوجب أعلى الديتين نظراً إلى أعلى الأبوين دية، وذلك لتغليظ الجناية وتشديد أثرها على الجاني. هذه طريقة اختارها صاحب التلخيص.

ومن أصحابنا من قال: القول في دية المتولد يجري على القولين المذكورين في تحليل الذبيحة والمناكحة؛ فإنه إن كان يتجه التغليظ على الجاني فقد يتجه الالتفات (١) على أن الأصل براءة الذمة، فلا ينبغي أن تشغل إلا بثبت.

وأما حكم الجزية، فالذي ذهب إليه المحققون أن المتولد من بين من يؤخذ منه، ومن لا يؤخذ منه الجزية -وهذا أصل مهدناه مراراً وسيأتي تمامه في كتاب الجزية إن شاء الله تعالى- فالميل إلى تغليب أخذ الجزية؛ [ولذلك] (٢) أُخِذت من المجوس مع تحريم المناكحة والذبيحة، وأخذت الجزية من الذي ترددنا في أن أول آبائه دان بالتهود قبل المبعث أو بعده.

ومما أجراه القفال في الشرح أن المتولد من بين يهودي ومجوسية إذا بلغ، وأراد الاستمساك بالتمجس، فلا معترض عليه ولا نلزمه التمسك بالتهود، كما نقول في المسلم المتولد من بين المسلم واليهودية: إنه يلزمه التمسك بالإسلام، ولكن إذا أظهر التمجس، فله حكم المجوس، وإنما ترددنا فيه قبلُ.

هذا مسلك القفال، وليس يمتنع أن نقول: إذا أثبتنا له حكم التهود في تحليل المناكحة والذبيحة، نمنعه من التمجس إذا منعنا الانتقال من ملة إلى ملة، وهذا سيأتي مستقصى في كتاب الجزية، إن شاء الله تعالى.


= ثم عقب التاج السبكي قائلاً: قلتُ: فيؤخذ منه أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن الكفر يزيد وينقص، فتأمل" (ر. الطبقات: ٤/ ٢٥٩، والأم: ٥/ ٨).
(١) في الأصل: والالتفات.
(٢) في الأصل: وكذلك.