للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغرور، إن شاء الله تعالى، وهو أن المتعاطي التزويج إذا غرّ الزوج بحرية الزوجة، وانعقد النكاح على الغرور -على أصح القولين- وغرِم المهر -لما وطىء- للسيد، فهل يرجع بالمهر على العاقد الغارّ؟ فعلى قولين، سيأتي ذكرهما، إن شاء الله عز وجل.

فإن قلنا: لا يرجع المغرور بما غرمه من المهر على من غرّه، فلا يرجع الزوج في هذه المسألة على الولي. وإن قلنا: يرجع المغرور على الغارّ، فهل يرجع الزوج بما غرمه على الوليّ الذي زوّج من بها عيب؟ فعلى قولين: أحدهما وهو القياس -أنه لا يرجع؛ فإنه قد شرع في النكاح على أن يتقوم عليه البضع، وقد استوفاه وتقوَّم عليه، فكان رجوعه على الولي وهو مطالب بعوض ما التزم عوضه، وقد استوفاه- بعيداً.

والقول الثاني - إنه يرجع على الولي المزوج، وهذا القول لا يوجه بمعنًى، وإنما التعويل فيه على ما رواه الشافعي عن مالك عن يحيى بن سعيد عن ابن المسيب أن (١) عمر بن الخطاب قال: "أيما رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص فمسها، فلها صداقها، وكذلك لزوجها غرم على وليها" (٢).

٨٢٣٢ - ثم قال الأئمة: القولان يجريان إذا كان الولي عالماً بالعيب، فلم يتعرض له، وعقد العقد مطلقاً، فلو كان جاهلاً بالعيب، ففي المسألة وجهان: أحدهما - القطع بأنه لا رجوع على الولي؛ لأنه لم يوجد من جهته تصريح بالتغرير ولا كتمان، ومن أصحابنا من أجرى في هذه الصورة القولين المذكورين، واعتل بأنه إذا بطل والغرم إلى الولي، فلا معنى للفصل بين العلم والجهل، فإنَّ الأسباب المقتضية لضمان المال والمرجع به لا يفرق فيها بين علم الغارم [وجهله] (٣).

التفريع على هذين الوجهين: إن حكمنا بأن الولي إذا كان جاهلاً بعيب المرأة؛ لم


(١) بلغ من تصحيف هذا الناسخ أنه كتب: "عن أبي المسيب بن عمر بن الخطاب" والله المستعان وحده.
(٢) هذا الحديث رواه مالك في الموطأ: كتاب النكاح، باب ما جاء في الصداق والحباء، ح ٩، ورواه الشافعي في الأم: ٥/ ٧٥، وابن أبي شيبة في مصنفه: ٤/ ١٧٥.
(٣) مكان كلمة غير مقروءة بالأصل.