للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التغرير مقترناً. وإن جرى متقدماً، لم ينقدح فيه الفساد إلا على الوجه الضعيف في مهر السر والعلانية، وهذا التردد لا يعارض ما ذكرناه من تغرير الأمة بنفسها، وليست عاقدة.

هذا مضطربي في تصوير التغرير، وقد نبهت للنظر في ذلك كلَّ فطن، فمن عثر على مزيد، فليلحقه بحاشية كتابنا مأجوراً، إن شاء الله عز وجل.

٨٢٤٨ - وقد عاد بنا الكلام إلى حكم التغرير فإذا غرّ وكيلُ المولى في تزويج الأمة بحريتها، فلا يخلو المزوَّج بها إما أن يكون حراً أو عبداً، فإن كان حراً، نُظر إن كان ممن لا يحل له نكاح الإماء؛ فالنكاح باطل، وإن كان ممن يحل له نكاح الإماء، وقد جرى التغرير شرطاً؛ ففي انعقاد النكاح قولان إذا تحقق الخُلف في الشرط. وهذان القولان يجريان في كل خُلف يفرض في حقه مشروطاً من الناكح أو المنكوحة، ولا فرق بين أن يتفق الخُلف من كمال إلى نقصان، وبين أن يتفق الخلف من نقصان إلى كمال، أو من صفة إلى أخرى تماثلها في مراتب الفضائل.

توجيه القولين: من قال: يصح النكاح -وهو الأصح- وإليه صار أبو حنيفة (١) واختاره المزني، احتج بأن اختلاف الشرط لا يثبت فساد البيع مع تعرضه لقبول الفساد بكل شرط فاسد متعلق ببعض مقاصد البيع، ثم لم يفسد باختلاف الشرط؛ فلأن لا يفسد النكاح أولى، وفقه التوجيه أن المعقود عليه متعيَّن في البابين، فالمنكوحة متعينة وهي ذات صفات، والعين لا تتبدل بفرض خُلف في الصفة، وكذلك العبد متعيَّن في البيع لا يفرض تبدله باختلاف شرط متعلق بصفة.

ومن قال بفساد النكاح استدل بأن مدار النكاح في العادات على الصفات؛ فإن المرأة لا [تُعايَن] (٢) عرفاً، وإنما يَتوصَّل طالبُ الحظ منها إلى غرضه بالوصف، فإذا فرض الخُلف في الوصف، كان ذلك اضطراباً في الطريق المعتاد في درك الأغراض من المعقود عليه، وإن كان مورد العقد المرأة، ذات صفات، ولكن التعويل في العادات


(١) ر. مختصر الطحاوي: ١٧٥، مختصر اختلاف العلماء: ٢/ ٣٥٣ مسألة رقم: ٨٤٨.
(٢) في الأصل: "تغاير" والمثبت تقديرٌ منا، وفي (صفوة المذهب) "تُشاهد".