ليس هيناً ما قام به الدكتور الديب من تحضير وتهيئة للعمل الكبير الذي نهض له، وهو له أهل، ليُخرج (النهاية) إلى النور، ويحيلها من مقبور إلى منشور.
وقد قال بعض العلماء: من نشر مخطوطة، فكأنما أحيا موءودة!. فكيف إذا كانت هي (النهاية)؟!
ثم بدأ يقرأ النص قراءة العارف الخبير، ولكنه يقرأ نصاً غير عادي، لرجل غيرِ عادي. فبعض المصنفات تكون ترديداً لكلام السابقين، أو تكراراً وتأكيداً له، فيستطيع قارئها أن يبحث عنها فيما نقلت عنه.
أما إمام الحرمين، فهو -كما ذكرنا- مستقلٌّ في تفكيره، مستقلُّ في تعبيره، فيحتاج من محققه إلى فهم دقيق، وتأمل عميق، وصبر جميل، ومراجعة طويلة، حتى يفهم ما يريد المصنف.
على أن إمام الحرمين كثيراً ما يُغرِب في تعبيره، فيظل المحقق يبحث طويلاً في المعنى المراد، حتى يجده باليقين أو بالظن. وقد يظل أسابيع أو شهوراً، يفتش عن المعنى، ويبحث عن المظان، ويشاور من يثق به، إلى أن يشرح الله صدره لما يختار.
أضف إلى ذلك ما تعانيه المخطوطات أبداً من كلمات مطموسة، أو مخرومة، كلها أو بعضها، أو لعلها سقطت من المصنف نفسه أثناء الكتابة، كما يحدث لكل مؤلف، زيادة عما يصنعه النساخون بالكتب من تصحيف وتحريف، ومسخ وتغيير، وخصوصاً الجهلة منهم!
زد على ذلك ما يستشهد به المصنف رحمه الله من أحاديث، بعضها لا يكون معروفاً عند الفقهاء، وفي كتب الفقه المألوفة، بحيث نجده، في تلخيص الحبير، أو سنن البيهقي، أو غيرهما من الكتب التي هي مظان هذا اللون من الأحاديث.
ينتمي الأخ الدكتور الديب إلى مدرسة في التحقيق، متميزة، شيوخها الكبار: آل شاكر، أحمد ومحمود، وعبد السلام هارون، والسيد أحمد صقر، رحمهم الله، وأمثالهم.