للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أبنائها: الدكتور عبد الفتاح الحلو والدكتور محمود الطناحي رحمهما الله، والدكتور الديب، حفظه الله، وأمثالهم، وهي مدرسة تعنى بخدمة النص ذاته، وتقديمه للقارىء بيِّناً واضحاً مفهوماً، كما أراده مصنفه، بقدر الاستطاعة، ولا تُثقل كاهلَ المتن المحقق بكثرة التعليقات التي لا لزوم لها، وتوسيعها بغير حاجة، كما يفعل الكثيرون؛ حتى رأيت بعضهم يترجم في تعليقاته لأبي بكر وعمر والخلفاء الأربعة، ولأبي حنيفة ومالك والأئمة الأربعة، وللبخاري ومسلم والأئمة الستة.

وتتسع التعليقات حتى يصبحَ الكتاب أضعافَ حجمه، وفي ذلك إرهاق للقارىء مادياً ونفسياً وعقلياً، لا طائل تحته. وقد أصبحت أقرأ هذه الترجمات للأعلام في كل كتاب محقق، ولو كان رسالة صغيرة، فهي أعلام تتكرر دائماً.

كما يهتم بعضهم بذكر كل الفروق بين النسخ بعضها وبعض، وإن لم يكن لها ضرورة ولا فائدة للقارىء بحال. كما هو شأن بعض المستشرقين ومن يتبعهم، وربما كان المستشرقون معذورين، لأنهم كانوا يخافون أن يكون أي فرق بين النسختين أو النسخ مؤثراً في المعنى، وهو لا يشعر، لعجمته، فما عذر العربي المتمرس بالعربية؟!

ومن أصدق وأبلغ ما قرأتُ هنا ما قاله أخي عبد العظيم:

"والتعليق على المخطوطات: فن قائم بذاته، يحتاج إلى دُربة، ومهارة، وحذق، وإحساس صادق بما يحتاج التعليق، وبما لا يحتاج، وبما يحتاج إلى الشرح، وبما لا يحتاج، وكيف يكون الشرح، وكيف يكون التعليق، كما يحتاج إلى مهارة بارعة، وقدرة فائقة على الإيجاز، فالإطناب يحسنه كل أحد، أما الإيجاز، فهو المحك والفيصل، فمن الصفحات الكثيرة التي يقرؤها المحقق عن عَلَم من الأعلام، أو عن رجل من رجال السند، أو عن حديث من الأحاديث، أو حادثة من الحوادث - يحتاج إلن بضعة أسطر، بل بضعة جمل من هذه الصفحات، وهنا تكون المهارة، ويكون الحس الصادق، ومن قبل ومن بعد يكون توفيق الله سبحانه، فيما يختار وفيما يدع" (١).


(١) من مقدمة (الدرة المضية) ص ١١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>