للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصحاب، فأَبَوا أن يأخذوا القولين إلا من الجهل بالعتق، وهذا لا معنى له.

ومن أصحابنا من قال: القولان فيه إذا اعترفت بجريان العتق، وادعت الجهل بثبوت الخيار لها. وهذا المسلك أقرب قليلاً على ما بينته في توجيه القولين: وأحد القولين - إنها لا تُصَدَّق، كما لا يُصَدَّق المُطَّلِع على العيبِ في البيع إذا ادعى أنَّه لم يعلم بثبوت الخيار له شرعاً.

والقول الثاني - إنه يقبل قولُ المعتَقةِ؛ فإنَّ الخيار مما لا يبعد الجهلُ به في حق عوامِّ الناس، وأما الرد بالعيب، فإنه شائعٌ في العام والخاص، فادعاء الجهل فيه غير مقبول.

٨٢٩٠ - والذي يجب الاعتناء بفهمه بعد ما نقلناه أنَّ التأخير، أو الوطء، أو غيرَه مما يشعر بالرضا إذا استند إلى دعوى الجهل؛ فعَقْدُ المذهب فيه أنه إذا غلب على الظن كذب المدعي، فلا يُقبل قوله -وإن أمكن صدقه على بعد-[لأنَّ] (١) مبنى العقد اللازم على اللزوم، وهذا أبلغ في وضع العقد من تصديق مَن يمكن تصديقه، ولهذا قال الشافعي: إذا اختلف المشتري والبائع في قِدم العيب، فالقول قول البائع، وللبائع أنْ يحلف على البت على نفي العيب، وإن لم يكن عالماً بانتفائه قطعاً، ولم يبنِ هذا على تغليب الالتزام. فإذا تبين لنا ظهور خيار الرد بالعيب في القياس، لم يصدّق من ادعى الجهل به، وإن أمكن تصديقه. وعلى هذا بنينا ثبوت خيار العيبِ على الفور.

ولو ادعى المشتري الجهلَ، وصدّقه البائع، فله الخيار وفاقاً. وهذا يناظر ما سيأتي في باب العُنَّة -إن شاء الله تعالى- من أنَّ الزوجَ إذا ادعى الوطء في مُدة العُنّة؛ فإنه يصدق، وإن كان الأصل عدم الوطء، مُحافظةً على تبقية النكاح، وهذا أصل مستغنى بتقريره، إن شاء الله تعالى.

فأما خيار المعتقة؛ فليس يظهر ظهور خيار العيب؛ فإنَّ النفوس مجبولة على استدراك الغبائن في البيع. والأصل في النكاح على خلاف ذلك، [فترددت] (٢)


(١) في الأصل: "فلأن". والصواب بدون فاء، فإنها ليست جواباً للشرط.
(٢) في الأصل: فتردد.