للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للأصحاب فصلاً بين خيار العُنّة وانقضاء المدة. وفي هذا سرٌّ لطيف: مدة العُنَّة تُضرَبُ مع الإقرار بالعُنَّة كما سيأتي -إن شاء الله عز وجل- فكأنَّ الشرعَ أسعف بالفرق بين البابين وأقامَ مُدَّة العنَّةِ أجلاً في الخيار، وإن كان لا يثبت بها خيار. وسيأتي تقرير ذلك في باب العنة، إن شاء الله عز وجل.

فصل

قالَ: "فإنْ أصابَها فادعَتِ الجهالةَ، فيها قولانِ ... إلى آخره" (١).

٨٢٨٩ - هذا الفصلُ مُفرَّعٌ على القول الظاهر في أنَّ خيارَ المعتقةِ على الفور، ويمكن تفريعُهُ على أنَّه على التراخي، ولكن يبطلُ حقُّها بالمطاوعةِ والتمكنِ إذا جرى الوطء.

ثم صورةُ المسألةِ أنها إذا عتَقَت وطاوعت، فوطئها الزوج الرقيق، ثم أرادت الفسخَ وادعت الجهالة، فقد نقل المزني قولين مطلقين عن الشافعي في أنَّ قولَهَا هل يُقبَل؟ واختلف أصحابنا في محل القولين على ما ننقله، ثم نبحث على [عادتنا] (٢).

فمن أصحابنا من قال: القولان فيه إذا ادعت الجهالةَ بالعتق، وهذا ساقطٌ؛ من جهةِ أنَّ دعوتَها الجهالةَ بالعتقِ قولٌ يمكن الصدقُ فيه، فأيُّ معنًى في ترديد القولين في قبولها، وهي صاحبةُ الواقعةِ؟ فإنْ قيل: يبطلُ حقُّها وإن صدقت في دعوى الجهالةِ بالوطء، كان بعيداً.

فإذا استحال المصير إلى بُطلانِ الخيار بصورة الوطء، ودعواها الجهالة مُحْتمل؛ فلا وجه للتردد والحالة هذه.

ولو صار صائرون إلى أنَّ صورة الوطء تُبطل حقها، لكان ذلك خارجاً على مسلكٍ -وإن كان بعيداً- وهو أن نجعل نفس الوطء بعد العتق قاطعاً لحق الاستدراك؛ فإنه إذا جرى وطء واحد، فالوطء الواحد كوطئات العمر، ولكن لم يسمح بهذا أحدٌ من


(١) ر. المختصر: ٤/ ١٢.
(٢) في الأصل: عادتها.