ووراء ذلك أمر سننبّه عليه في أثناء الكلام، إن شاء الله تعالى.
هذا قولنا في العبادات البدنية المفتقرة إلى النيات.
ومما نذكره في الأقسام التي نحاولها: أنَّ الأعمال التي لا تقع قربة، ولكنها تتعلق بأمور في المعايش، ومطرد العادات، فما لا يجوز منه فلا يجوز الاستئجار عليه، وما يجوز ولا ينهى عنه، فيجوز الاستئجار عليه، بحسب أن يكون معلوماً على ما يليق به، ويشترط أن يكون له وقع في النفع والدفع، حتى لو قل قدرُه، وكان لا يقع مثله في إثارة نفعٍ أو دفعٍ موقعاً؛ فلا يجوز الاستئجار عليه. وهو في [جنسه](١) بمثابة الحبة من الحنطة في الأعيان.
ومما نشترطه أن يكون النفع من العمل راجعاً إلى المستأجِر، فلو كان يرجع النفع إلى الأجير، فالإجارة فاسدة، وذلك مثل أن يقول: استأجرت دابتك لتركبها أنت ولا تترجل، فهذا فاسد، فإذا كان العمل مباحاً معلوماً متقوماً عرفاً، وكان نفعه يرجع إلى المستأجِر فيصح الاستئجار، ومن جملة ذلك: الحمل والنقل وأعمال المحترفين، وما في معناها، وهذا بيان ما لا يقع قربة.
٨٣٥٨ - وأما ما يقع قربةً وإن لم نشترط فيه النية، فمنها ما يقع فرضاً على الكفاية، ومنها ما يكون شعاراً في الدين، ولا يقع فرضاً، فأما ما يقع فرضاً، فإنه ينقسم في نفسه، فمنه ما يخاطَب به المرءُ في ذاته إن اقتدر عليه، وإن عجز عنه، وجب على الغير كفايته، ومنه ما لا يخاطب به المرء على الخصوص في نفسه لغرضٍ يخصه.
فأمَّا القسم الأول، فمنه حفر القبور، ودفن الموتى، وحمل الجنائز، فهذه الأشياء مما يجوز الاستئجار عليها، والسبب فيه أنَّ من مات فتجهيزه من المؤن الواجبة المختصة بتركته، وهو مما يثبت في وضع الشرع على نعت الخصوص، فإن عجز من خصّه الشرع ابتداءً، فعلى الناس كفايته. وحَمْلُ الجنازة وما في معناه مما ذكرناه ينزل منزلة شراء الكفن، والتكفينُ من فرض الكفايات، وكذلك يجب على الإنسان أن ينفق