فللمرأة طلب المهرين على الكمال، ولا حاجة بها إلى إثبات المسيس في النكاح الأول، وإن كان المهر لا يتقرر إلا به، ونفس النكاح الثاني يدل على ارتفاع النكاح الأول، فكأن النكاح الأول ثبت وارتفع، ولم يثبت فيه المسيس، وطلب جميع المهر من غير مسيس على استمرار النكاح ممكن، فأما إذا ارتفع النكاح، فلا يمكنها طلب المهر على قياس استمرار النكاح، والأصل عدم المسيس، ولكن يعارض هذا أن المهر ثبت بالنكاح على الكمال، فعلى من يدعي سقوط شطر منه أن يتعرض له، ولكن يتطرق إلى هذا أن الزوج لو ادعى نفي الإصابة صُدِّق مع يمين، ولم يطالَب بأمر آخر.
فليتأمل الناظر هذا، وليفهم لطفَ مأخذه، فالأصل ثبوت المهر، وهذا يستمر في سكوت من عليه المهر.
فإن ادعى عدمَ المسيس صُدِّق مع يمينه، وإن لم يدّع طولب بتمام المهر، بناء على ثبوته. فإذاً على الزوج إثبات مقتضى التشطر بيمينه.
وحجج الخصومات منقسمة، وهذا كما أن المودَع مطالَب بالوديعة، محبوس إذا سكت، فإن ادعى تلفاً أو رداً، صُدّق.
ولو قال الزوج: كان النكاح الثاني تجديداً للإشهاد (١) ولم يكن عقداً جديداً، فلا ينفعه هذا القول، بل إذا قال ذلك، استغنت المرأة عن إقامة البينة، وكان ما صدر منه إقراراً بالعقدين: أما الأول فقد اعترف به، وأما الثاني فقد اعترف بصورته، وادعى فيه الإعادة، وهذا يُشبه إذا ادعى رجل على رجل عيناً، وقال المدعى عليه للمدعي: بعها مني، فالاستباعة تتضمن إقراراً للمدعي بالملك، وليس للمدعى عليه أن يقول: طلبت منه صورة البيع ولم أعترف بصحة بيعه، فإنَّ طلبَ البيع محمول على البيع الصحيح، وكذلك كل من اعترف بعقد، فاعترافه المطلق محمول على الاعتراف بالعقد الصحيح.