وإن لم تسم مقداراً من المهر، فزوّجها الولي، بمهر المثل صح، وإن زوّجها بأقلَّ من مهر المثل، فللأصحاب طريقان: أقيسهما - القطع بأن النكاح لا يصح؛ فإنّ إذنها المطلق محمول على موجب العرف، فكأنها قيّدت إذنها بما يليق بالعرف من المهر، ولو كان كذلك، فخالفها، لم ينعقد النكاح، ومن أصحابنا من قال: في تزويج الولي بدون مهر المثل، أو على حكم التفويض -وإذنها مطلق- قولان: أحدهما - إن النكاح يبطل. والثاني - إنه يصح، وينعقد بمهر المثل، كما ذكرناه في الوليّ المجبِر. وهذا القائل يزعم أن الإذن المطلق يُلحِق الولي بمرتبة المجبِر، ويُخرجه عن مرتبة الوكلاء، الذين لا معتمد لهم إلا الإذن.
فهذا بيان تصوير التفويض.
٨٤٥٨ - فيعود بنا الكلام بعده إلى القول في حكم التفويض المحقَّق المتضمِّن تعريةَ النكاح عن المهر، فإذا جرى هذا، فالنكاح ينعقد، والمهر يجب عند الدخول، وهل يجب بنفس العقد المهرُ؟
ما قطع به العراقيون: أنه لا يجب المهر بالعقد، ولم يعرفوا غيرَ هذا، وإنما ذكروا القولين في محلٍّ سينتهي البيان إليه، إن شاء الله تعالى.
وقال المراوزة: في المسألة قولان: أظهرهما - أنه لا يجب بنفس العقد شيء من المهر، ويجب بالدخول. وقالوا: هذا (١) هو المنصوص. والقول الثاني - إنه يجب لها المهر بنفس العقد، وكان شيخي يحكيه حكايةَ من يعتقده منصوصاً، وقال القاضي: هو مخرّج، والصحيح ما قاله.
ثم إن حكمنا بأن المهر لا يجب بالعقد، فأول ما نفرّعه على هذا القول: أنها إذا وُطئت، فالمهر يجب عند الدخولِ والوطءِ لا محالة؛ فإن وجوب المهر في هذا المقام ليس خالياً عن تعبد الشرع، ولا يبعد إضافته إلى حق الله تعالى؛ حتى يمتاز النكاح عن السفاح وبدل البضع، وقيل: يجب أن يمتاز نكاحنا عن نكاح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل جعل خلو النكاح عن المهر من خصائص النبي