للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فهذا الحديث يقع أيضاً في تصوير موت أحد الزوجين، ولكن تردَّدَ الشافعيُّ (١) في الحديث وحكم باضطرابه، إذ قد قيل: قال معقل بن يسار، وقيل: معقل بن سنان، وقيل ناسٌ من أشجع، وقد بلغ الحديثُ على الوجه الذي رويناه عليَّ (٢) بن أبي طالب، فلم ير قبول رواية معقل، وقال: لا نقبل في ديننا قول أعرابي بوال على عقبيه، فردد الشافعيُّ المسألة؛ لأن الحديث لم يقع على شرطه في الصحة، فيبقى مجرد مذهب ابن مسعود، ويعارضه مذهب علي؛ فإنه كان لا يرى للمفوضة عند موت أحد الزوجين مهراً، وقد خلا النكاح عن المسيس (٣).

٨٤٦٣ - وقد حان أن نذكر الترتيب في المذهب، فنقول: أما العراقيون فقد استدُّوا، وجَرَوْا على المسلك المرتضى، وقَضَوْا بأن المفوضة لا تستحق بالعقد مهراً؛ إذا (٤) لم يعرفوا قولاً آخر، وقطعوا بأنها تستحق المهر إذا مسها الزوج، وذكروا قولين فيه إذا مات أحد الزوجين، مع قطعهم بأنها لا تستحق بأصل العقد مهراً، ووجّهوا القولين، فقالوا: من أوجب المهر في موت أحد الزوجين، احتج بأن الموت نازل منزلة الوطء في تقرير المهر؛ بدليل أنه يتقرر المهر المسمى بالموت قبل المسيس، كما يتقرر بالمسيس نفسه، ومن قال: لا يثبت المهر بالموت، احتج بأنها ما استحقت بالعقد مهراً، ولا جرى مسيس؛ حتى يقال: لو لم يثبت المهر، لكان الوطء في حكم المبذول، عرياً عن العوض.

وسرّ هذا القول أن النكاح إذا اشتمل على مسمى صحيح، ثم فرض طلاق قبل المسيس، يسقط نصف المسمى، ويبقى نصفه في مقابلة العقد، وإن جرى مسيس، تقرر المهر. وإن فرض موت من غير مسيس، تقرر المسمى بانتهاء النكاح نهايته.


= فيه بما لخصه الحافظ بقوله: وقال الشافعي: " لا أحفظه من وجهٍ يثبت مثله " (ر. الأم: ٥/ ٦١، وانظر التلخيص: ٣/ ٣٨٧ ح١٦٧٦).
هذا. وفي نسخة الأصل: معقل بن يسار. والتصويب من كتب السنة.
(١) أشرنا إلى هذا التردد وموضعه من كتاب الأم، في التعليق السابق على الحديث.
(٢) في الأصل: " الذي رويناه عن علي بن أبي طالب، فلم ير قبوله ".
(٣) قول علي هذا. رواه الشافعي في الأم: ٥/ ٦١.
(٤) إذا: هي هنا بمعنى " إذ " وهو استعمال فصيح أشرنا إليه أكثر من مرة من قبل.