قال معظمهم: هذا قول مخرج. وقال قائلون: هو مأخوذ من نص الشافعي في أن المفوِّضة إذا ماتت، أو مات زوجها قبل المسيس، فلها المهر كاملاً، هذا منصوص. وهو دالّ على أنها استحقت بأصل العقد المهر؛ فإنه لا يتقرر بالموت مهر ما لم يثبت بالنكاح.
توجيه القولين في الأصل: من قال: لا يثبت المهر بالعقد، احتج بأن المهر حقها، وحق المولى من أمته، فإذا وقع الرضا بإسقاطه لم يثبت، وآية ذلك أنه لا يتشطر بالطلاق قبل المسيس. ومن قال: إنها تستحق بالعقد، احتج بثبوت المهر حالة المسيس، مع العلم بأن تصرف المالك على الوجه المستباح في ملكه لا يلزمه عوض ملكه، فإذا لزم، دلّ على أن اللزوم كان بالعقد، هذا وضع القولين تأصيلاً وتوجيهاً.
٨٤٦٥ - فإن حكمنا بأنها لا تستحق بالعقد شيئاً، فوراء ذلك تخريج القاضي في المسيس كما قدمته، وليس هو من المذهب، وإذا أنكرناه بشيء من هذا المنتهى، فإنه يتحقق هذا القول، فنبديه في معرض سؤال وجواب عنه.
٨٤٦٦ - فإن قيل: ما وجه إيجاب المهر حالة الوطء، مع عروّ العقد عن المهر؟ قلنا: الجواب عن ذلك يستدعي تقديم أصلٍ في المذهب -هو مقصود في نفسه- وبه يبين غرضُنا في المنتهى الذي انتهينا إليه، وذلك أن المفوضة إذا وطئها الزوج، ووقع الحكم بوجوب المهر، فقد اختلف أئمتنا في أن الاعتبار في مهر المثل بحالة الوطء أم بحالة العقد؟ وفيه وجهان مشهوران، ينبني عليهما أنا إذا اعتبرنا حالة المسيس فكأنا افتتحنا إيجاب المهر بالمسيس، نخرّجه على أنا وإن احتملنا إسقاط المهر حالة العقد، فلا نحتمل إسقاطه في مقابلة المسيس.
وفي تقرير ذلك إشكال بيّن؛ فإن المهر ليس ركناً في النكاح، وإنما يتميز النكاح عن السفاح بصحته وإفضائه إلى استحقاق المنفعة على موجب الشرع، وذلك لا يستدعي عوضاً، ولذلك لم يبعد في الشرع نكاح يصح من غير مهر، كتزويج السيد أمته من عبده.