للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رأسَهُ بيده -وكان إذ ذاكَ صبياً-: " اللهم فَقِّههُ في الدين، وعَلمهُ التأويل " (١).

ومما ذَكَرهُ أنه تعالى قال: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} فكان ذلك راجعاً إلى عفو يخلص به الصداق للزوج ليكون المعفوّ واحداً، وأيضاًً فإنَّ قوله تعالى: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} فإنَّ (٢) ذِكْرَ الزوج جرى على صيغةِ المخاطبة، وقوله: {أَوْ يَعْفُوَ} على صيغة المُغايبة، ولا يحسن عطفُ المغيابة على المخاطبة في حق شخص واحد.

والقول الثاني -وهو المنصوص عليه في الجديد- إنَّ الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، وروى الشافعي هذا عن علي، وابنِ جريج (٣)، وابنِ المسيب، وغيرهم.

وأيضاًً فإنَّ الله تعالى ذَكَرَ خلوص الصداق له بعفوها، ثم عطف هذا عليه، فظهر أنَّ المرادَ عفوٌ يخلصُ به الصداق لها.

اشتملت الآية على ذكر الخلوص من الجانبين، وذكر التشطر والانقسام على الجانبين، وقد قال تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} والأقرب للتقوى عفوُ الزوجِ، فأما عفوُ الأب عن حقِّ ضعيفةٍ، فلا يتَّصف بهذه الصفة. وقوله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} خطاب لهما.

٨٥١١ - فهذا ذكرٌ للقولين على صيغة التردد في التفسير، وثمرتهما اختلافُ القول في أنَّ الولي هل يملك الإبراء عن صداقِ ولِيَّتِهِ؟ وفيه قولان: الجديد -إنه


(١) حديث: " اللهم فقهه في الدين ... " رواه مسلم مقتصراً على لفظ: " اللهم فقهه " (مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ح ٢٤٧٧) وأما بالألفاًظ التي ساقه بها إمام الحرمين، فقد رواه أحمد في مواضع كثيرة من (المسند، منها: ١/ ٢٦٦، ٣١٤).
(٢) في الأصل: " وأيضاًً، فإن ذكر الزوج جرى على صيغة المخاطبة ... ".
(٣) ابن جريج، عبد الملك بن عبد العزيز، أبو الوليد، وأبو خالد، فقيه الحرم المكي، كان إمام أهل الحجاز في عصره، أول من صنف تصانيف العلم بمكة، رومي الأصل، من موالي قريش، مكي المولد والنشأة. توفي سنة ١٥٠ هـ. (ر. تاريخ بغداد: ١٠/ ٤٠٠، وصفة الصفوة: ٢/ ١٢٢، وتذكرة الحفاظ: ١/ ١٦٠، ووفيات الأعيان: ٣/ ١٦٣، وتهذيب التهذيب: ٦/ ٤٠٢. وانظر الأعلام للزركلي).