استعماله. فهذا منتهى الإمكان في البيان، والله المستعان.
وكل ما ذكرناه في الماء الراكد. وقد بانت قواعد المذهب فيه، ونحن نذكر الآن تفصيل الماء الجاري، إذا وقعت فيه نجاسة، إن شاء الله تعالى.
فصل
٣٦١ - حقيقة هذا الفصل يستدعي التنبيهَ على أمر يتعلّق بطباع الماء الراكد والجاري: فالماء الراكد المجتمع في مقرٍّ أجزاؤه مترادة متعاضدة، وإذا نال طرفاً من الماء ما يغير ذلك الطرف، انبثَّ في الماء، فإن كان بحيث لا يقوى على تغيير جميع الماء، صار مستهلكاً في الماء، كما لم ترد عليه النجاسة، كأنه يدرأ النجاسة عن موردها، وموردُ النجاسة يُشيع النجاسة بسبب ركود النجاسة في (١) الماء.
والماء الجاري لا ترادّ فيه، والجريان يمنع شيوعَ النجاسة وانبثاثَها؛ فإن جريان مورد النجاسة يمنع من الانبثاث، والجِرية التي تداني مورد النجاسة لا تدفع النجاسة عن موردها بجريانها؛ فلا النجاسة تشيع، ولا غير مورد النجاسة يؤثر في درء النجاسة عن موردها. فلما اختلف الأمر في وضع الماءين، فقد تختلف التفاصيل في أمر النجاسة.
٣٦٢ - فنبتدىء الآن القولَ في الماء الجاري.
ونقول: الماء الجاري ينقسم أولاً: إلى ما قد تغيره النجاسة المعتادة، وإلى ماء الأودية العظيمة التي لا تؤثر النجاسات المعتادة فيها: فأما الأنهار التي تغيّرها النجاسات في العادات إذا كثرت، فإذا وقعت فيها نجاسة، لم تخل: إما أن تكون قائمة، وإما أن تكون مائعة، فإن كانت قائمة، لم تخلُ: إما أن كانت تجري جَرْيَ الماء، وإما أن تقف والماء يجري عليها.
فإن كانت جاريةً مع جريان الماء، ولم يكن جريانها أثقل، فأول القول يأتي مع
(١) كذا في الأصل، (م) وفي (ل): " ركود الماء في الماء " ولعل الصواب: "بسبب ركود الماء" وما عداه مقحم في النسخ الثلاث.