للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٨٩٧٥ - وممّا يتعلق بذلك أن الأصحاب قالوا: معنى الطلاق بالعجميّة صريح، وزعموا أن معناه: "توهشته اي". وحكى بعض المصنفين (١) عن الأصطخري أنه لا صريح بغير لسان العرب، وهذا غريب لا أصل له (٢)، وإنما اشتهر الخلاف عن الأصطخري في النكاح، كما قدمنا ذكره في الألفاظ المشتملة على ألفاظ النكاح.

ثم كان شيخي أبو محمد يقول: كل لفظةٍ معدودة من الصرائح في العربية إذا ذكر معناها الخاص بلسان آخر، فهو صريح؛ فمعنى قول القائل: أنت طالق "توهشته اي" ومعنى قوله: طلقتك "دشت بازْداشْتَم"، ومعنى فارقتك: "از تو جُدَا كَرْدَم، ومعنى سرحتك: "تُراكسيل كردم".

وقال القاضي: الصريح من هذه الألفاظ "توهشته اي فأما قوله: "دستت باز داشتم" فليس بصريح.

وهذا غير سديد؛ فإن قول القائل: "دشت بازداشتم" هو تفسير قوله طلقتك، وإذا كان قوله: "توهشته اي" صريحاً؛ من حيث إنه معنى قوله: "أنت طالق" فقوله: "دشت بازداشتم" هو معنى قول القائل: "طلقتك" فلا معنى لإبداء المراء في هذا. أما معنى فارقتك وسرحتك، فالظاهر أنه ليس بصريح؛ فإنا في المفارقة والتسريح على تردد، كما نبهنا عليه. وإذا اختلف الأصحاب في المفارقة والمسرَّحة مع اتحاد اللغة، فهذا في معنى المفارَقة والتسريح أظهر.

فهذا ما رأينا نقلَه، ولا بد الآن من الكلام في مأخذ الصرائح.

٨٩٧٦ - الذي يقتضيه الفقه أن الصريح إذا لم يتعلق به توقيف وتعبد، يؤخذ من الشيوع، ومحاولةِ أهل العرف حصرَ اللفظ في مقصودٍ، فإذا اجتمع هذان المعنيان، ترتب عليهما ابتدار المعنى إلى الأفهام؛ فإن التردد ينبت من إشكال اللفظ في نفسه،


(١) بعض المصنفين: المراد به أبو القاسم الفوراني كما أشرنا مراراً من قبل، والتعبير عنه بهذا الأسلوب دائماً، هو نوع من الحط عليه، على حد تعبير ابن خلكان.
(٢) يضغف الإمامُ الفورانيَّ في هذا النقل عن الإصطخري، ويصفه بالغرابة، وهذا ما قاله السبكي، وأشرنا إليه من قبل.