للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن جريانه في معانٍ، فإذا ظهر لفظٌ على إرادة معنى واحد، فهو يُفهِمه ويُعلِمه، وحكمنا في مساق الفقه أن من صدر منه لفظ يبتدر فهمُ الناس معناه، فإذا زعم أنه أراد خلاف ما تبتدره الأفهام، كان ما أضمره خلافَ ما أظهره، وعند ذلك تترتب مسائل التَّديين؛ فإنّ ما يُدَيّن المرء فيه يتعلق بمقتضى اللفظ، ولكنه خلاف ما يظهر منه، ويندر من ذي الجدّ أن يطلقه على خلاف معناه المستفيض إلا أن يريد إلغازاً أو تعقيداً، ثم حُكمنا أنا لا نقبل في الظاهر خلاف الظاهر، ولا نصدِّق من يبدي إضماراً على خلاف ما أظهره، هذا معنى الصريح.

وقد يثبت في النكاح تعبّد قررناه في بابه، فلا ينبغي أن يكون على ذلك الباب التفات.

وقد أطبق الفقهاء قاطبة على أن المعتبر في الأقارير والمعاملات إشاعة الألفاظ وما يفهم منها في العرف المطرد، والعباراتُ عن العقود تُعنَى لمعانيها، وألفاظ الطلاق عبارات عن مقاصد، فكانت بمثابتها، وموجب هذه الطريقة أن لفظة أخرى لو شاعت في قُطْرٍ وقومٍ شيوع الطلاق -كما قدمنا معنى الشيوع- فهو صريح، وعلى هذا الأصل قول القائل لامرأته: أنت عليّ حرام، أو حلال الله عليّ حرام، ملتحق في قُطرنا وعصرنا بالصرائح.

٨٩٧٧ - وذهب ذاهبون من الأصحاب إلى أنا لا نزيد على الألفاظ الثلاثة: الطلاق، والفراق، والسراح. ولا نظر إلى الظهور والشيوع، وهذا القائل اعتقد أن مأخذ الصرائح يتعلق بالتعبدات والتلقِّي من لفظ الكتاب وتوقيف الشارع، وقد يعتضد في ذلك بإلحاق الشافعي الفراق والسراح بالصرائح، [وليست أكثر اختصاصاً] (١) من


(١) عبارة الأصل: "وليس أنا اختصاص من الباين ... " وواضحٌ أن فيها خللاً لا ندري سببه، أهو تصحيف وتحريف أم خرم، أم هما معاً.
والصواب الذي لا يحتمل السياق غيره، يؤديه -إن شاء الله- هذا المثبت بين المعقفين، تصرفاً من المحقق، فالمعنى أن الشافعي رضي الله عنه ألحق الفراق والسراح بصريح لفظ الطلاق، مع أن البائن والبتة، والبتلة، والخلية ليست أقل اختصاصاً بالطلاق -في لسان العرب- من الفراق والسراح، فدل ذلك على أن مأخذ الصرائح التلقي من لفظ القرآن، وتوقيف الشارع.