للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البائن، والبتة (١)، والبَتْلَة (٢)، والخليّة، في لسان العرب فإذا خصّصها الشافعي بالإلحاق وبالصرائح، أشعر هذا برجوعه إلى مورد الشرع.

وهذا يتطرق إليه نوعان من النظر: أحدهما - أنا لا نُبعد شيوع الفراق والسراح في العرب في بلادها، وهذا فيه بعض النظر، فإن الشافعي تعلق بالقرآن. والوجه الآخر من النظر - أنه ليس في إلحاق الفراق والسراح بالصّرائح ما ينفي التعلق بالإشاعة؛ إذ لا يمتنع أن يقول القائل: للصرائح مأخذان: أحدهما - الجريان في ألفاظ الشرع.

والثاني - الشيوع في الاستعمال، كما سبق تفسيره.

وفي [النفس] (٣) شيء من الفراق والسراح؛ فإنه لم يظهر لنا من الخطاب قصد بيان لفظ التسريح والمفارقة، ولكن جرى معنى ترك النسوة وحل ربقة النكاح في مقابلة ذكر الإمساك، فإنه قال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:٢٢٩] ففهم المخاطبون أن الزوج مأمور بأن يمسك المرأة أو يخلّي سبيلها، فالغرض الذي سيق الخطاب له ترديد الزوج بين هذين المقصودين، وليس من الغرض الظاهر أن يقول لها: سرحتك، وهو بمثابة قول القائل: أكرم هذا السائل، أو سرحه. ليس المراد بهذا: قُلْ له: انسرح. وكذلك القول في فارقوهن. وأما الطلاق، فقد اشتملت الآي على الاعتناء بألفاظها وعددها، ويقوى على هذا المسلكِ القولُ القديمُ الموافق لمذهب أبي حنيفة في حصر الصريح في لفظ الطلاق.

وتحصَّل من مجموع ما ذكرناه تردّدُ الأصحاب في مأخذ الصريح، كما أوضحناه.

٨٩٧٨ - وحكى القاضي عن شيخه القفال أنه كان يقول في لفظ التحريم: إذا قال الرجل: حلال الله عليّ حرام، ونوى طعاماً صُدّق، وإن أطلقه وكان أَنِساً بالفقه عالماً


(١) البتة: من البت والقطع، فقوله لامرأته: أنث بتة أي مقطوعة، وبتّ طلاق امرأته أي طلقها طلاقاً لا رجعة فيه (المعجم والمصباح).
(٢) البتْلة: من البَتْل وهو القطع: بَتَله بتلاً: قطعه، ويمين بَتْلة: قاطعة، وصدقة بَتْلة: منقطعة عن صاحبها خالصة لوجه الله. (المعجم)، فالمعنى هنا "أنت بتلة" أي مقطوعة العقد والصلة.
(٣) في الأصل: "التفسير" وهو تصحيف واضح.