للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استعمالها جرياناً ينحط عن الاستفاضة والحصر في معنى الطلاق، وما ذكرناه من الألفاظ من الجليّات ومنها: الخلية، والبريّة.

والخفيةُ كقول القائل لامرأته: اعتدي، واستبرئي رحمك، والحقي بأهلك، وحبلُكِ على غاربكِ، ولا أَنْدَه سرْبَك (١)، واغربي، واذهبي، وتجرّعي وتجردي، وما في معناها، مما يشتمل على تقديرٍ أو استعارةٍ. والتقدير في مثل قولك: اعتدّي: معناه طلقتُ، فاعتدي، والاستعارة في مثل قولك: تجرّعي، أي معناه: تجرعي مرارة الفراق، وكذلك حبلك على غاربك، وما في معناه.

وإذا ذكر لفظة ليس فيها إشعارٌ بمعنى الطلاق، وزعم أنه نوى الطلاق، لم يقع شيء؛ لأن اللفظ غير مشعرٍ، والنية المجردة لا تتضمن وقوع الطلاق، وقد يتردد الأصحاب في بعض الألفاظ، فإذا قال لها: كلي، أو تنعمي، فهذه الألفاظ لا إشعار فيها، ولو قدّر مقدر فيها معنى الطلاق على بُعدٍ، عُدَّ ذلك من التعقيد الذي لا يتعلق بأصناف البيانا، ودرجاتِ الألفاظ المستعملة في المقاصد.

ولو قال: اشربي، فالظاهر أنه لا يقع الطلاق وإن نواه. ومن أصحابنا من قضى بوقوع الطلاق حملاً على تقدير: اشربي كأس الفراق، وهذا بعيد.

فهذا بيان مراتب الألفاظ في عقد الباب.

ولو قال لامرأته: لستِ لي بزوجة، فهذا إقرار صريح بنفي الزوجية، كما سنفصله في فروع الطلاق. ولو قصد به إنشاء الطلاق، فالمذهب أنه يقع، لإشعار اللفظ بذلك.

ومن أصحابنا من قال: لا يقع الطلاق؛ فإن اللفظ صريح في الإقرار والإخبار، وهذا ليس بشيء.


(١) في الأصل: ولا أندره سربك، والتصويب من الشرح الكبير والروضة.
ومعنى لا أنده سربك: أي لا أزجر إبلك، من نده الرجل: صات، ونده البعيرَ ونحوه: زجره وطرده عن أي شيء بالصياح، وكان من طلاقهم من الجاهلية أن يقول الرجل: "اذهبي فلا أنده سربك" (المعجم. وفي الزاهر: "لا أنده سربك، أي لا أرعى إبلك ولا أردها عن مرعى تريده، لأنك لست لي بزوج، فاذهبي مع مالك حيث شئت".