للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٨٩٨١ - فإذا تبين أن الكنايات لا تعمل بأنفسها، فمذهب الشافعي أنها لا تعمل مع القرائن أيضاً من غير نيّة، والرجوعُ في النية إلى الزوج، فإذا سألت الطلاق، فقال: "أنت بائن"، وظهر من مخايله أنه قصد إسعافها، فلا تعويل على ذلك عند الشافعي، وإذا قال: لم أقصد الطلاق، فالقول قوله مع يمينه، وكذلك الكلام فيه إذا أجرى الزوج بعض هذه الألفاظ في حالة الغضب، وقد ظهرت على مخايله التبرم بالمرأة، ومحاولة الخلاص منها، فالرجوع مع ذلك كلِّه إلى نيته.

وخالف أبو حنيفة (١) على تفصيل له في الألفاظ، فأعمل قرائن الأحوال، وقرينة السؤّال.

فإن قال قائل: قد ذكرتم في مأخذ الأصول (٢) أن قرائن الأحوال تثير العلوم الضرورية، فإذا اقترنت تلك القرائن بألفاظ الزوج، فكيف ترون الرجوع إلى نيَّة الزوج، وقد علمتم قصده بقرائن الحال؟ قلنا: لا ينتهي الأمر في قرائن الأحوال في مأخذ الفقه إلى هذا المنتهى، وهي متفاوتة جداً، وليس من قواعد الفقه فتح أمثال هذه الأبواب؛ فإن مُدركَ قرائن الأحوال في القصود عسرٌ جداً، فحسمنا هذا الباب حسماً.

وقد تُعتمد القرائن في تحمل الشهادات مع ابتناء أمرها على طلب التحقيق، فالذي يشاهد صبياً يمتص ثدياً فيه لبنٌ قد يشهد على ارتضاعه، ولا تعويل على القرائن فيما نحن فيه، وسبب ذلك أن الصبي لا تردد فيه إذا كان يمتص ثدياً فيه لبن، ومخاطِب زوجته لا ينتهي إلى منتهى يحكم على قصده قطعاً، وقد يشهد بذلك اختياره كنايةً مع إمكان التلفظ الصريح. فهذا ما يجب التنبيه فيه.

٨٩٨٢ - ثم إذا بان أن النية لا بد منها، فلو قدّم النيةَ، ولما تلفظ، لم يكن ناوياً مع اللفظ، لم يقع شيء؛ فإن النية منقطعة عن اللفظ، واللفظُ متأخر عن النية، ولو قدّم اللفظ، ثم نوى، فالجواب كذلك.


(١) ر. البدائع: ٣/ ١٠٦، تبيين الحقائق: ٢/ ٢١٥.
(٢) ر. البرهان في أصول الفقه: ١/فقرة: ٥٠٣.