ثم قال النووي: "قال القاضي بعد هذا: الصواب أن شرب العسل كان عند زينب". ثم أقول: قال الألوسي: "وبالجملة الأخبار متعارضة، لكن قال الخفاجي: قال النووي في شرح مسلم: الصحيح، أن الآية في قصة العسل، لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية في طريق صحيح". ثم قال الخفاجي: نقلاً عن النووي أيضاً: "الصواب أن شرب العسل كان عند زينب رضي الله عنها" انتهى ما قاله الألوسي نقلاً عن الخفاجي ناقلاً إياه عن النووي. (روح المعاني: ٢٨/ ١٤٦، ١٤٧). وبهذا أصبح القائل إن الصحيح أنها في قصة العسل، وأن قصة مارية لم ترد من طريق صحيح، وأن الصواب أن شرب العسل كان عند زينب، أصبح القائل لكل هذا هو النووي في شرح مسلم. والواقع أن النووي نقله عن القاضي عياض وبالرجوع إلى حاشية الشهاب الخفاجي، برئت ساحة الألوسي، فالذي قَوَّل النووي ما لم يقله هو الخفاجي في حاشيته، حيث نسب إليه جازماً ما حكاه عن القاضي عياض، فقد قال الشهاب عند تفسير أول سورة التحريم: "اختلف في سبب النزول: فقيل: قصة مارية، وقيل: قصة العسل، وقال في شرح مسلم: الصحيح أنها في قصة العسل، لا في قصة مارية المروية في غير الصحيحين، ولم تأت قصة مارية من طريق صحيح ... وفي شرح مسلم أيضاً: الصواب أن شرب العسل كان عند زينب" انتهى بنصه كلام الخفاجي، وعنه أخذه الألوسي، وكم من الأبحاث أخذت عن الألوسي ونسبت إلى النووي ما لم يقله بل نقله عن القاضي عياض!!! ووقوع الخفاجي في هذا (الوهم) أو هذا (التسرّع) شاهد صدق على قصور البشر. الخلاصة: وخلاصة ما تقدم نجمعها في أمور: ا- أن الأحاديث في سبب نزول الآيات متعارضة بعضها في قصة العسل، وبعضها في قصة مارية. ٢ - أن أحاديث قصة العسل في أعلى درجات الصحة؛ فهي في الصحيحين وغيرهما. ٣ - أن قول القاضي عياض: إن قصة مارية لم تأت من طريق صحيح لم يخالفه فيه أحد، إذا حملناه على تفاصيل القصة من مخالطة مارية في بيت حفصة، وحوار حفصة في ذلك، فهذا بالاتفاق لم يأت من طريق صحيح. ٤ - احتج الحافظ ابن حجر في إنكاره على القاضي عياض -قال: أحسب أن للقصة أصلاً- بأمرين: =