ب- رواية النساني من حديث أنس. وأقول: ليس في الأمرين ما يردّ كلام القاضي عياض، أما مجموع الطرق، ففيه ما فيه، وليس هذا الموضع مما يعتمد فيه التصحيح أو التقوية بمجموع الطرق. أما حديث النسائي، فليس فيه تفاصيل القصة، بل لفظه كما رواه الحافظ نفسه: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك} فيبقى قول القاضي عياض: "لم تأت قصة مارية من طريق صحيح" على صوابه، حيث يردّ القصة التي تحوي هذه التفاصيل. ثم يأتي هنا السؤال: هل يجوز الترجيح بقوة الرواية؟ وهل يمكن الجمع بين القصتين، كما جعله الحافظ احتمالاً في الفتح، وكما قاله الشوكاني في تفسيره. ولكن يجب أن نؤكد عند الجمع أن تحريم مارية لم يكن على هذا النحو الذي ورد في الفصة، فليس هذا ثابتاً باتفاق، بل يجب الوقوت عند ما رواه النسائي: "حرمها على نفسه" فليس من الرواية ولا من الدراية أن نخترع تفاصيل لسبب التحريم إذا صح أصله. والله أعلم. وأختم بتساؤل: هل يفهم من قول الإمام النووي في شرح مسلم: "وفي كتب الفقه أنها نزلت في تحريم مارية" هل يفهم من هذا نوع إنكارٍ على الفقهاء؟ لا سيما وأنه لم يتعرض للقضية أصلاً وأعرض عنها تماماً في (الروضة). الله أعلى وأعلم. ونضيف ملاحظة أخرى، هي أن كتب الفقه اعتمدت هذه القصة -قصة مارية- دون قصة العسل على ضعف قصة مارية؛ لأنها هي الأوفق للتمثيل والاستشهاد في تحريم الأبضاع، فهذا عذرهم، والله أعلم.