للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يجب الإحاطة به أن هذا الخلاف الذي ذكرناه آخراً إنما نشأ من لفظة الشافعي، وهي أنه قال: "إذا حرم زوجته، يقال له: أصب وكفّر" (١)، فظن ظانون أنه رضي الله عنه أوجب الكفارة بالإصابة على تقدير اليمين، وليس الأمر كذلك، بل أراد أن التحريم لا يحرّم وطأها بخلاف الظهار، فإنه يثبت تحريماً ممدوداً إلى التكفير، فأبان الشافعي أن التحريم لا يوجب حجراً أو حظراً في الوطء.

فإن قيل: هلا كان التحريم كالظهار؟ قلنا: لو كان كالظهار، لكان ظهاراً، فهو إذاً لا يقتضي التحريم، ولكن يقتضي وجوب الكفارة، وهو نازع من وجهٍ إلى اليمين، وليس يميناً ويشبه في ظاهره الظهارَ، وليس ظهاراً ولا في معناه.

٩٠٣٠ - ولو قال لنسوة: حرمتكن وقصد تحريم أنفسهن، فيلزمه كفارة واحدة أم كفارات بعددهن؟ فعلى قولين ذكرهما صاحب التقريب والقاضي، وكان شيخي وطوائف من أئمة المذهب يقطعون بأن الكفارة تتّحد، فمن ذكر القولين قرّب التحريم المضاف إلى النسوة في هذا المقام من الظهار، [فلو] (٢) قال الزوج لنسوةٍ: أنتنّ عليّ كظهر أمّي، ففي تعدد الكفارة قولان، سيأتي ذكرهما.

ومن قطع باتحاد الكفارة، فوجهه أن الظهار يُثبت التحريم في النسوة، ويشابه الطلاق من هذا الوجه، والتحريم لا يثبت في ذواتهن ويشابه اليمين من هذا الوجه، ويشابهها أيضاً في صفة الكفارة.

ومن سلك طريقة القولين قال: وجوب الكفارة في التحريم لا يتوقف على المخالفة، فكان حريّاً بأن يشبّه بالظهار، ولو خاطب إماء وحرمهن بكلمة، فهو كما لو حرّم نسوة بكلمة.

ثم إن قضينا باتحاد الكفارة إذا خاطب النسوة أو خاطب الإماء، فلو قال لنسوته وإمائه أنتن محرمات عليّ، أو حرمتكن، فمن أصحابنا من قال: لا تجب إلا كفارة


(١) ر. المختصر: ٤/ ٧٦. (وأصله في الإملاء رواه عنه المزني في المختصر).
(٢) في الأصل: ولو (بالواو).