للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو فرض شيوع التحريم في الطلاق وفرعنا على أن الصرائح تؤخذ من مأخذ الشرع أيضاً، فهل ينتهي التفريع إلى كون التحريم صريحاًً في البابين؟ وكيف السبيل في ذلك؟ هذا فيه نظر يجب الاهتمام به، ولا يتجه فيه إن أثبتنا المأخذين إلا أمران: أحدهما - أن نسلك مسلك التغليب إذا جرى اللفظ مطلقاً، ونعتقد أن الطلاق أغلب مثلاً لوجوه لا تكاد تخفى، واللفظ يطابق المعنى إذا كان طلاقاً؛ فإن الطلاق يحرم النفس، والتحريمُ الموجب للكفارة لا يحرم النفس. هذا مسلكٌ.

وإن انقدح للفقيه استواء الوجهين، فلا مطمع في تحصيل معنيين بلفظ واحدٍ، هذا ما لا سبيل إليه وإن جرّد القاصد قصده إليهما جميعاًً؛ لأن اللفظ الواحد لا يصلح لمعنيين جميعاً إذا لم يوضع في وضع اللسان للجمع، فلا يتجه إذاً إن لم ينقدح وجهٌ في الترجيح إلا أنه يخرج عن كونه صريحاًً في البابين جميعاًً، لتعارض العرف والشرع، واستحالة الجمع، وامتناع تخصيص أحد الجانبين، فلا [يعمل] (١) اللفظ إذاً في أحد المعنيين إلا بالقصد.

هذا منتهى النظر.

٩٠٣٣ - ومن لطيف الكلام في هذا أن الصريح [الذي هو] (٢) على الدّرجة العليا.

كالطلاق، فإنه لا يُعدَل عن ظاهره إلا على مسلك التديين، ويلتحق الظهار به أيضاً لاستوائهما في الجريان في الجاهلية والإسلام، وكل ما يلتحق بالصرائح لعموم عرفٍ متجدّدٍ -فالعرف لا ثبات له- فقد يعرض استعقاب العرف عرفاً آخر، وقد مهدنا في قاعدة الصرائح أن من الألفاظ ما يعمل مطلَقُه، وتنصرف النية فيه، وهذا من ذاك، فالتحريم إذا شاع على الحدّ الذي نعهده، فلا يكاد يبلغ مبلغ شيوع الطلاق في كل زمانٍ ومكانٍ، ولا يعد مستعمل التحريم في غير مقصود الطلاق آتياَّ بَشاذًّ نادرٍ، بخلاف من يستعمل الطلاق ويبغي غير معناه، ومن أحاط بهذه المرتبة من الصرائح، بنى عليه ما ذكرناه، من أن التحريم وإن كان صريحاً في اقتضاء الكفارة، فيصير طلاقاً بالنية.


(١) في الأصل: يعلم. والمثبت تصرف من المحقق.
(٢) في الأصل: الصريح (النهوُ) على الدرجة العليا (بهذا الرسم تماماً).