للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حُكم بوقوع الطلاق؛ بناء على ما ذكرناه من مخالفته إياه.

ولو أكرهه على تطليق امرأتين، فطلق إحداهما، قالوا: وقع الطلاق، كما لو أكرهه على ثلاث طلقات، فطلق واحدةً.

وقالوا أيضاًً: لو قال المكرِه: قُلْ: طلقتها، فقال: فارقتها، أو سرّحتها، حكم بوقوع الطلاق؛ طرداً للأصل الذي قدمناه، من أن المكرَه إذا خالف المكرِه المُجبِرَ، حكم بوقوع الطلاق؛ من جهة أن المخالفة تُصوِّر المكرَه بصورة المبتدىء المنشىء الذي لا ينبني كلامُه على استدعاء المجبِر.

ولي في هذه المسألة نظر: أما إذا أكرهه على طلاق عمرة، فطلّق عمرة وحفصة ففي تحقق الإكراه في عمرة وعدم وقوع الطلاق عليها احتمال بيّن ظاهرٌ؛ فإنه لا منافاة بين اختياره طلاقَ حفصةَ وبين كونه مجبراً على طلاق عمرة، فكأنه أتى بما استدعاه المجبر منه، وضمّ إليه ما كان في نفسه اختياره، والذي يحقق ذلك أنه لو كان على [نيّة] (١) أن يطلق حفصة، فقال المجبر: طلق عمرة معها، فهذا ظاهر في تحقق الإكراه في طلاق عَمْرة.

وأما إذا أكرهه على تطليق عمرةَ وحفصة، وطلق عمرة، فقد يظهر أنه يبغي بهذا إجابة المجبر في بعض ما قال، وهو يرجو أن يكتفي بذلك، فهذا فيه احتمال من هذا الوجه أيضاًً، والاحتمال في الصورة الأولى أظهر؛ من جهة أنه يتخلص [بما يفعله] (٢) عن إرهاق من يجبره، ويتخلص عن الإكراه بتطليق واحدة، والمطلوب منه تطليق اثنتين.

ولو قال - وقد طلب منه طلاق اثنتين: أنت طالق وأنت طالق، فهذا مما يجب القطع به في كونه مكرهاً، فإنه ساعد (٣) المجبر على هذه الصيغة، فكان بمثابة ما لو جمع طلاقهما في صيغة التثنية.

فأما إذا أجبره على طلقة، فطلق ثلاثاًً، فلا شكّ في وقوع الثلاث؛ فإن الذي صدر


(١) زيادة اقتضاها السياق.
(٢) في الأصل: ما يفعله.
(٣) "ساعد" هنا بمعنى: أجاب، لا بمعنى أعان.