للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن قال: السكران من يهذي ويتمايل، فالذي جاء به لا بيان فيه، والتمايل لا معنى له.

ومن قال: السكران من لا يعلم ما يقول، فعليه مراجعةٌ، لما ذكرنا من أن أصل العلم لا يمكن سلبُه من البهائم، فضلاً عن السكارى والمجانين، ومن أراد الإحاطة بهذا على التحقيق، فليجدّد عَهْده بمجموعاتنا (١) في حقيقة العقل، ثم ليَبْنِ عليه أن السكران من لا يتصف بالعقل، وإن نجّزنا طرفاً منه: فمن لا عقل له، [لا يتصوّر] (٢) منه النظر العقلي، وإن ذكر من مباديه شيئاً، فهو عبارات الفقهاء، ولا يخفى عروُّه عن حقيقتها.

٩١١٥ - فإذا دبّت الخمرة (٣)، انتشى الشارب وعَرتْه طَرِبَةٌ وهِزّةٌ، وهذا قد يَحُدّ (٤) العقل، فليس من السكر (٥).

وبعد ذلك ما (٦) وصفناه من السكر، مع بقاء أفعال وأقوال.

ومنتهى (٧) السكر الاتصاف بصفة المغشي عليه.


(١) بمجموعاتنا في حقيقة العقل: المراد مؤلفاتنا، ومباحثنا في حقيقة العقل، وللإمام كتاب بعنوان (مدارك العقول) لما نصل إليه بعدُ. وقد أشبع قضية العقل والعلم بحثاً في كتابه الفذّ (البرهان في أصول الفقه) في الفقرات من ٣٦ إلى ٦٩. وكان من نعم الله علينا أن هيأ لنا إخراج هذا الكتاب لأول مرة، بعد أن ظل مخطوطاً قروناً طويلة يُسمع به ولا يرى، فلله الحمد والمنة.
(٢) في الأصل: "ولا يتصوّر" (بزيادة الواو).
(٣) أول صور السكر عند الإمام.
(٤) يحدُّ العقل: من باب قتل. وهي هنا من معنى حدَّ السيفَ: إذا شحذه. كذا فسر الرافعيُّ كلام الإمام (الشرح الكبير: ٨/ ٥٦٦).
والمعنى أن الخمر في أول أمرها قد تشحذ العقل، قبل أن تغيبه وتذهبَ به، وهذه أول مرحلة من مراحل السكر الثلاث - عند الإمام.
(٥) فليس من السكر: أي هذه الحالة الأولى من حالات السكر ومراحله، وهي لا تحسب في أحكام السكران.
(٦) هذه الحالة الثانية أو المرحلة الثانية من مراحل السكر.
(٧) وهذه هي الحالة الثالثة، أو المرحلة الثالثة.