للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم في هذا نظر.

فإن انتهى إلى حالة الإغماء وسقوط الاختيار بالكلية، فالوجه القطع بإلحاقه

بالمغمى عليه، حتى إذا بدرت منه كلمة الطلاق بُدورَها من النائم الهاذي، فلا حكم لها، وكذلك القول في أفعاله، فهي منزّلة منزلة ما يصدر من المغشي عليه.

وإنما التردد والكلامُ فيه إذا كان السكران على [مضاهاة] (١) المجانين.

وأبعدَ بعض أصحابنا فألحق ما يصدر من ذي السكر الطافح بما يصدر منه، وهو يفعل ويقول ويتردد، وهذا إنما أخذه من إيجابنا عليه قضاء الصلوات وإن انتهى السكر إلى رتبة الإغماء (٢).

ثم الفقه في الصّلاة يستدعي الإشارة إلى مسائل قدمناها في كتاب الصلاة، منها:


(١) في الأصل: مضادّة. والمثبت تصرّفٌ من المحقق على ضوء السياق.
(٢) لخص الإمام الرافعي هذا الفصل -في حدّ السكر- من كلام الإمام تلخيصاً حسناً، وليس في عرضنا لهذا التلخيص والترتيب من كلام الرافعي خروج على المنهج الذي نراه وندعو إليه، وألزمنا به أنفسنا، وأعني به عدمَ إثقال الكتاب المحقق بالتعليقات التي لا تخرج عن كونها شرحاً، أو تلخيصاً، أو إعادة صياغة، وإنما هو من صلب منهجنا حيث يدخل في (إضاءة النص) والإعانة على فهمه، فقد جاء كلام الإمام عن حدّ السكر متداخلاً يصعب ضبطه، وهذا ما سوّغ لنا أن نورد تلخيص الرافعي، وهذا نصه:
"ولم يرضَ الإمام عبارات الأصحاب، وقال: شارب الخمر تعتريه ثلاثة أحوال: إحداها - هزة ونشاط يأخذه إذا دبت الخمر فيه، ولم تستول عليه بعد، ولا يزول العقل في هذه الحالة، وربّما يحتد.
والثانية - نهاية السكر، وهو أن يصير طافحاً، ويسقط كالمغشي عليه، لا يتكلم، ولا يكاد يتحرك.
والثالثة - حالة متوسطة بينهما، وهي أن تختلط أحواله، فلا تنتظم أقواله وأفعاله، ويبقى تمييزٌ وفهم كلام.
فهذه الحالة الثالثة سكرٌ، وفي نفوذ الطلاق فيها الخلاف الذي بيناه.
وأما في الحالة الأولى، فينفذ طلاقه لا محالة؛ لبقاء العقل، وانتظام القصد والكلام.
أما في الثانية، فالأظهر عند الإمام، وهو المذكور في الوجيز أنه لا ينفذ؛ لأنه لا قصد له، كأنه جرى على لسانه لفظ، فهو كما يفرض في حق النائم، والمغمى عليه، ومن الأصحاب من جعله على الخلاف المذكور لتعدّيه بالتسبب إلى هذه الحالة، وهذا أوفق لإطلاق أكثرهم، والله أعلم" ا. هـ (ر. الشرح الكبير: ٨/ ٥٦٦).