للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال القاضي: لعل ما ذكره الأبيوردي أصح، وما استدلّ به الشيخ (١) فيه نظر؛ من جهة أن تعليق الطلاق على مشيئتها فيه معنى التمليك، وهو يعتمد الإرادة ومحلها القلب، وليس في تعليق الطلاق على مشيئة زيدٍ معنى التمليك، [بل هو] (٢) فيه لفظ مجرد منه ظاهراً وباطناًً.

وهذا كلام لا يشفي الغليل؛ فإن لفظ المشيئة مشعر بإرادة القلب في الموضعين، ولا وقع لملكها نفسها لو طلقت في هذا المقام، فالوجه في الجواب أن مشيئة زيدٍ وإن تعلقت بإرادة قلبه، فلا مطلع على إرادته إلا من جهته، وما كان كذلك، فلا طريق فيه إلا التصديق، وليس كما [لو] (٣) قال: أنت طالق إن دخل فلان الدار؛ فإن الدخول يمكن أن يعرف لا من جهة الداخل.

ولو قال الرجل لامرأته: أنت طالق إن دخلت الدار، فقالت: دخلت، لم تصدق. ولو قال: أنت طالق إن حضت، فقالت: حضتُ، صُدّقت؛ لأن الحيض لا يعرَف إلا من جهتها، كما ستأتي المسائل المعلّقة على الحيض.

ومساق كلام القاضي دليل على احتكامه على أبي يعقوب؛ فإن الطلاق إذا كان معلقاً على مشيئة زيدٍ، فقال: شئت، ولم يرد بقلبه - أن (٤) الطلاق يقع باطناً تعويلاً على اللفظ، وإنما لا يقع باطناًً إذا كان معلقاً بمشيئة المرأة ولم تُرد بقلبها، وهذا تحكُّم محال.

وأبو يعقوب أفقه من أن يسلّم الفرق بين المسألتين، ولكن المسألة تدور على [نكتة] (٥)، وهي أن المرأة لو أرادت الطلاق بقلبها ولم تنطق بالمشيئة، فإن كان


(١) الشيخ: المراد به هنا القفال.
(٢) زيادة اقتضاها السياق.
(٣) زيادة من المحقق.
(٤) المعنى أن الطلاق يقع ظاهراً وباطناًً إذا كان معلقاً بمشيئة زيد ولم يشأ بقلبه، بل بلفظه فقط، وإذا كان معلقاً بمشيئة المرأة، فلا يقع باطناًً إلا إذا شاءت بقلبها؛ لأن في التعليق بمشيئتها معنى التمليك، بخلاف الأجنبي. هكذا وبهذا التفريق رجح القاضي كلامَ الأبيوردي.
(٥) في الأصل: ثلاثة، ورسمت هكذا (ثلثه). ويعلم الله كم أضنانا هذا التصحيف، حتى بلغ بنا الضيق والضجر مبلغاً سدّ منافذ الفكر والطاقة نحو يومين، ونحن نراوح في مكاننا صباح =