للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن علق الصّحيحُ الطلاق بمقدمات الموت وما يُنبىء عنه، فهو فارٌّ، وإن جرى التعليق في حالة الصحة، وذلك مثل أن يقول: إذا وقعتُ في النزع، أو تردّدت روحي في الشراسيف (١)، فأنت طالق، وإنما قطعنا بكونه فارّاً؛ لأنه اعتمد الفرار وأضافه إلى المحل الذي ينشأ منه التهمة.

وكذلك لو قال: أنت طالق قبل موتي بيوم أو يومين، وذكر مدة قريبةً، الأغلبُ أن مرض الموت ينبسط عليها، فإذا مات وتبيّنا بتاريخ تلك المدة أن الطلاق وقع في أولها، وأولها في الصّحة -كذلك اتفق (٢) - فالرجل فارٌّ، والتعليقُ في الصحة والوقوع في الصّحة (٣)؛ فإن معتمد هذا القول تحقق التهمة.

وقد ذكرت في مقدمة الباب [أننا] (٤) نعتبر التهمة تطرد في التفريع على القول القديم، وقد وقع الطلاق في هذه المسألة في وقتٍ لو نجّزه فيه لم يكن فارّاً (٥).

وكان شيخي أبو محمدٍ يقول: "إذا علق الصحيح الطلاق على الموت، أو على مرض الموت، ففي كونه فارّاً خلاف".

وهذا مجازفة وذهول عن المسألة. نعم، الصورة الأخيرة التي ذكرناها صعبة؛ فإن التّهمة وإن تحققت، فينبغي أن يقع أحد الطرفين في المرض، فتقدير الخلاف في هذا ظاهر.

وحكى من يوثق به أن القاضي قال في مجالس الإفادة: "إذا قال: إذا مرضت مرض الموت، فأنت طالق قبله بيومٍ، أو قال لعبده إذا مرضتُ مرض الموت، فأنت


(١) الشراسيف: جمع شرسوف، وهو الطرف اللين من الضلع مما يلي البطن، والمعنى: إذا تردّدت روحي بين أضلعي عند خروجها. (المعجم).
(٢) أي صادف.
(٣) كون التعليق في الصحة واضح، حيث أنشأه كذلك، وكون الوقوع في الصحة يظهر إذا علمنا أن الحكم بوقوع الطلاق كان قبل موته بيوم أو يومين، ولما ضبطنا التاريخ، تبين لنا أنه كان في حال الصحة يومئذٍ.
(٤) في الأصل: أن.
(٥) هذا هو موضع المفارقة في المسألة، أنه يعتبر فارّاً، مع أنه علّق ووقع المعلَّق في وقتٍ لو نجز فيه ما عَلّق لم يكن فارّاً.