للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كذلك اختلفوا في العتاق إذا أبهم المالك العتق بين أَمَتين، ولم يعيّن واحدة منهما بقلبه عند تلفظه، فإذا وطىء إحداهما، فهل تتعين الموطوءة للملك والأخرى للعتق، فعلى الخلاف الذي ذكرناه، وأبو حنيفة (١) يفصل بين العتق والطلاق، فيقول: الوطء تعيين في الطلاق، وليس تعييناً في العتاق، والمسألة مشهورة معه في الخلاف.

٩٢٢٥ - ومما يتعلق بما نحن فيه أنه إذا أبهم الطلاق ولم ينو، فلما طالبناه بالتعيين في هذا القسم، قال: عَنَيْتُ هذه أو هذه، فنقول: ما زدتنا بياناً، ولم توقع تعييناً. وإن قال: هذه وهذه، أو قال: هذه بل هذه، تعينت الأولى، ولغا لفظه في الثانية، أما تعيين الأولى، فتعليله بيّن، وأما بطلان لفظه في الثانية، فسببه أن تعيينها للطلاق محالٌ، ولا مجال للحمل على الإقرار في هذا القسم والقضاء بموجبه، بخلاف ما إذا نوى عند اللفظ، ثم قال: هذه وهذه، أو قال: هذه بل هذه، فإنا نؤاخذه بموجب إقراره وإخباره عما مضى، ثم يعترض لنا قبول الإقرار الثاني وإن طال الرجوع على (٢) الأول إذا لم ينو عند اللفظ، فلا مساغ للإخبار عن ماضٍ، والإقرار إخبارٌ عن ماضٍ، وإذا انحسم الإقرار، فالتعيين يصحّ على وجهٍ يقتضيه اللفظ، واللفظ لا يقتضي إلا مطلّقةً واحدةً، وقد ذكرنا أنه إذا قال: إحداكما طالق ونواهما لم تطلقا، وإنما تطلق واحدةٌ منهما، ثم إذا صح التعيين في واحدة، انحسم التعيين في الأخرى، وهذا فقه حسنٌ، وسواء فرّعنا على أن الطلاق يقع عند التعيين، أو يستند إلى اللفظ، فإن حكمنا بأن الطلاق يقع عند التعيين، فتعليل ما ذكرناه بيّن، وإن أسندنا الوقوع إلى اللفظ تبيُّناً، فاللفظ يكمل بالتعيين؛ فإنه لم يكن كاملاً إذا (٣) طلّق ولا مقترناً بنيّةٍ، فإذا حصل إكماله آخراً، لم يقبل الإكمال إلا على صيغة اللفظ.

وتمام البيان فيه أنه إذا نوى عند اللفظ ثم قال: هذه بل هذه، فلا تطلق إلا واحدة في علم الله، والذي ذكرناه مؤاخذة تتعلق بالظاهر؛ لأنا وجدنا للإقرار مساغاً، وإذا


(١) ر. طريقة الخلاف: ١٥٥ مسألة: ٦٥، إيثار الإنصاف: ١٨٩.
(٢) "على" بمعنى: "عن".
(٣) إذا: بمعنى (إذ).