للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتضح أن لا مساغ للإقرار، فلا وجه إلا ما قدّمناه، وهذا متضح لا إشكال فيه.

٩٢٢٦ - وممّا نفرعه على هذا الأصل أنه إذا قال لامرأتيه: إحداكما طالق، ولم يعيّن واحدةً بنيّة، فلو ماتتا، وبقي الزوج، فالذي قطع به أئمة المذهب أن التعيين لا ينحسم بموتهما، وهذا يؤكد أحد الوجهين في استناد الوقوع إلى اللفظ، وإذا قلنا لمن يصير من الأصحاب إلى أن الطلاق يقع عند التعيين: كيف سبيل الحكم بوقوع الطلاق بعد الموت؟ وهلاّ قلتَ: إن الطلاق يمتنع وقوعه بعد فقدان المحل؟ يقول: إن هذا اللفظ وإن كان لا يوقع الطلاق ابتداء، فإنه يوجبه إيجاباً لا يُدفع، ولو حكمنا بأنه يفوت، لوجب أن نقول: إذا بدا للزوج ألا يعيّن، ورأى أن يبقيَهما على النكاح، فلا معترض عليه والنكاحُ يستمرّ، فإذا لم نقل ذلك، تبين أن الطلاق لا بد منه. وقد ذهب أبو حنيفة (١) إلى أنهما إذا ماتتا في الصّورة التي ذكرناها، فقد فات التعيين بموتهما. ومذهبه أن الطلاق يقع عند التعيين، وكان شيخي يميل إلى هذا المذهب، وليس هذا ملتحقاً بمذهب الشافعي، والمذهب المقطوع به ما ذكرناه.

ثم إن كنا نرى استناد الطلاق إلى اللفظ، فلا إشكال؛ فإن فرّعنا على أن الطلاق يقع عند التعيين في حياتهما، ففرض الوقوع عند التعيين بعد الموت محال، ولا بدّ من فرض استناد على هذا الوجه في هذه الصورة، ثم كيف الاستناد؟ وما المستند؟ المذهب الأصح أن الطلاق يستند إلى اللفظ في هذه الصورة، ويلتقي الوجهان؛ فإنا لم نجد إلى رد الطلاق سبيلاً، ولم يمكنا أن نحقّقه عند التعيين، وترددنا بين اللفظ والتعيين، فإذا عسر تحقيق الطلاق عند التعيين، استند إلى اللفظ تبيّنا.

ومن أصحابنا من قال: تطلق المعينة قبيل موتها، فإن عُمرها كان محلّ التعيين، فإذا تصرّم، رددنا وقوع الطلاق إلى آخر زمن يمكن فرض التعيين فيه، وهذا فقيه حسنٌ، وهو يناظر في الظاهر مذهب أبي حنيفة (٢) في حكمه بَعتاقة المكاتَب الذي خلف وفاء إذا أخذت النجوم من تركته، فالعتق لا يحصل بعد الموت عنده، ولكن


(١) ر. مختصر الطحاوي: ١٩٩.
(٢) ر. المبسوط: ٧/ ٢١٦، رؤوس المسائل: ٥٤٦ مسألة: ٤٠٣، طريقة الخلاف: ١٧٧ مسألة ٧٠، إيثار الأنصاف: ١٨٥.