للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من أموال هوازن ما أفاء، فطفق يعطي رجالاً من قريشٍ المائةَ من الإبل، فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يعطي قريشاً ويتركنا، وسيوفنا تقطر من دمائهم ... فقال صلى الله عليه وسلم: "ما حديث بلغني عنكم"، فقال له فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله، فلم يقولوا شيئاً ... " (١).

هكذا، يقول أنس رضي الله عنه: (فقهاء الأنصار).

- وعلى هذا مضى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، لا مصدر للأحكام في حقيقة الأمر إلا الوحي ينزل بدءاً بتشريع، أو حلاً لإشكال، أو إجابة لسؤال. وما على الرسول إلا البلاغ، ومن البلاع البيان والتفصيل.

وإذا أقرت السماء اجتهاداً وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم أو صحبه، صار ذلك في منزلة الوحي من السماء؛ فمضى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يكن هناك اختلاف في حكم من الأحكام؛ إذ كان الوحي مستمراً، وللسماء القول الفصل عند اختلاف الآراء في شأن من الشؤون.

ومن الطبيعي ألا يكون في مثل هذه الظروف افتراض لحوادثَ وقعت ووضع أحكام لها، لأن وضع الأحكام كما أشرنا كان للوحي.

- ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن التشريع الإسلامي بمعنى سن الأحكام الشرعية وإنشائها لم يكن إلا في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنه هو فقط؛ إذ لم يجعل الله لأحد غيرِ نبيه سلطةَ التشريع (٢)، ومن رحمة الله سبحانه بأمته أن رسوله صلى الله عليه وسلم لم يفارق هذه الدنيا إلا وقد اكتمل بناء الشريعة، وحُفِظ مصدرها وعمادُها (القرآن) مكتوباً كله في العظام واللخاف، وفي حنايا الصدور، ومبيناً ومفصلاً بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.


(١) البخاري: فرض الخمس، باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي المؤلفة قلوبهم حديث رقم ٣١٤٧، مسلم: الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم حديث رقم ١٠٥٩.
(٢) فضيلة الشيخ محمد علي السايس. نشأة الفقه الاجتهادي وتطوره: ١١، ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>