ونحن نفصل ذلك، فنقول: إن كانت من ذوات الشهور، فمبلغ ما تضارب به أجرةُ ثلاثةِ أشهرٍ، وإن كانت من ذوات الأقراء وعادتُها مختلفةٌ، فإنها تضارب بأجرة أقل ما يتصور انقضاء العدة به.
وإن كانت لها عادة مستقيمة، فظاهر المذهب أن مضاربتها تقع باعتبار زمانِ عادتِها.
وذهب بعض أصحابنا إلى أنها تضارب بالأقل أخذاً باليقين، ولا تعويل على العادة، وهذا ضعيفٌ، وقد يَنظُر المبتدىء إليه فيهَشُّ إليه مستمسكاً باليقين، وهذا باطل؛ فإنا لسنا نسلم ما تضارب به إليها، ولا نسلطها على التصرف فيه، بل نتركه عتيداً موقوفاً، وقد ذكرنا أن الوقف مُهيّأٌ لمَظِنةِ الإشكال، فلا معنى للاقتصار على الأقل، ولولا أنا لا نجد مَرَدّاً، لو جاوزنا العادة، لكان نظرنا في مجاوزتها، من جهة أن الغرماء يتسلطون على ما يسلّم إليهم، والقدر الذي نَقِفُه لا نضيِّع فيه حقّاً، بل نرتقب ما يكون، ولكن ليس وراء العادة مَردٌّ.
ولو كانت معتدةً بالحمل، فالمذهب أنها تضارب بمؤنة السكنى في تسعة أشهر، فإن هذا هو الغالب الذي إليه الرجوع، وذهب بعض أصحابنا إلى أن المضاربةَ تقع بمؤنة السكنى لمدة ستة أشهر. وهذا المسلك ضعيفٌ في الأقراء، كما ذكرناه، وهو على نهاية الضعف في الحمل؛ فإن الستة الأشهر مدةُ وضع الحمل الحيّ المستقل، ونحن نقضي بانقضاء العدة إذا أَجْهَضَت جنيناً بدأ التخطيط فيه، فينبغي أن يكون الأقل المعتبر مناسباً [لغرض](١) انقضاء العدة، لا لبقاء الولد، ولا ضبط للأقل الذي يحصل الانقضاء به.
فإن قيل: بناء الفصل على أن الوقف لا يستدعي يقيناً، فهلا وقفتم المؤنةَ، أم هلا ضاربتم بالمؤنةِ لأربعِ سنين؟ قلنا: هذا لم يصر إليه من الأصحاب صائر؛ من جهة أنه على نهاية البعد، وتنقرض العصور والمئون من السنين ولا يبقى حملٌ أربعَ سنين، وهذا يناظر لو قيل به مجاوزةَ العادة مع النظر في سن اليأس؛ أخذاً بإمكان التباعد.