للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا تفصيل القول فيه إذا كانت العدتان من شخصين، وكانتا مختلفتين إحداهما بالحمل والأخرى بالأقراء.

٩٩٠٢ - وقد تمهد من أصل الشافعي أن العدتين لا تتداخلان [إلا] (١) من شخصٍ واحد، وقد نص الشافعي في التعريض بالخِطبة على أن الحربيّ إذا طلق زوجته، فنكحها حربيّ [آخر] (٢)، ثم طلقها، فلا يجمع عليها بين عدتين.

وقد اختلف أصحابنا في المسألة: فمنهم من قال في المسألة قولان: أحدهما - أنهما لا يتداخلان من الحربيين، كما لا يتداخلان من المسلمَيْن؛ فإن لعدة الكفر حكماً لا ينكر، والدليل عليه أن الكافر إذا نكح كافرة في العدة ثم أسلما -والعدة باقية - فنحكم بفساد ذلك النكاح، إذا أدركت العدةُ زمانَ الإسلام؛ فإذا ثبت أصل اعتبار العدة، فلا وجه للفرق بين المسلمَيْن والكافِرَيْن في امتناع تداخل العدتين.

والقول الثاني - أن العدتين تتداخلان من الحربيين؛ فإنه لا يثبت لهما من تأكد الحرمة ما يثبت للمسلمين، وأصل العدة مرعيٌّ والكفار في حكم الشخص الواحد.

وهذا غير سديد، والأصح في القياس إذا سلكنا طريقةَ القولين، القول الأول، وعليه جرى الشيخ أبو بكر الأَوْدَني في المناظرة، فإنه أُلزم مسألةَ العدتين من الحربيين، فارتكب (٣) وقضى بأنهما لا يتداخلان.

ومن أصحابنا من قال: إذا نكحت الحربية حربياً وألم بها، انقطعت عدة الأول باستيلاء الثاني، وأملاك الحربيين وحقوقُهم عرضةٌ للسقوط بالاستيلاء، ولو قهر حربي حربية، وكانت زوجة لحربي، فإنه يصير بالقهر مسترقاً للحربية، ويرتفع النكاح، فإذا كان النكاح يرتفع، فلا يبعد أن تنقطع العدة انقطاعاً لا يعود، فهذا إذاً قَطْعٌ للعدةِ الأولى، وليس من تداخل العدتين في شيء.


(١) سقطت من الأصل، ولا يستقيم الكلام إلا بها.
(٢) زيادة لإيضاح الكلام.
(٣) ارتكب: هذا اللفظ استخدمه الإمام أكثر من مرة، ولم أجده مفسَّراً في مظانه من مجموعات وكتب المصطلحات الخاصة بالجدل والمنطق والفلسفة، والذي يتضح من السياق أن معناه هو "التعسف واللجوء إلى الوجه الذي لا أصل له فراراً من إلزامه أمراً آخر" والله أعلم.