الأصحاب في أن المشتري لو أراد استباحتها بملك اليمين، فالاستبراء الذي مضى قبل البيع لا يغني عنه شيئاًً، فليمثِّل الناظر الفرقَ بين البابين في نفسه؛ فإن التزويجَ مبناه على الشغل والبراءة، والاستبراءُ الواجب على المستبيح بملك اليمين مبناه على تجددِ الملك لا غير.
ومن هذا الوجه يتأكد التعبدُ في هذا النوع من الاستبراء؛ فإنه غير مربوط بشغلٍ سابق، بخلاف العدة المترتبة على فراق يجري في الحياة؛ فإنها لا تجب إلا بوطء، كما تمهد موضوع العدة.
ثم أوضح الأصحاب هذا الأصل بتصوير أملاك متجددة قد يستبعد المبتدىء وجوبَ الاستبراء عندها، فلو اشترى رجل جارية واستبرأها، ثم باعها، واستقال البيعَ بعد زوال الملك، فعليه أن يستبرئها مرةً أخرى، سواء قلنا: الإقالةُ فسخ أو بيع، فكل ما يجدد الملكَ، سواء كان بيعاً أو فسخاً؛ فإنه يوجب على من يبغي الاستباحة بالملك استبراءً جديداً، وسنعود إلى تقرير ذلك من بعدُ، إن شاء الله.
٩٩٦١ - فإن قيل: هل يُتصورمسلك يسقط الاستبراء ويسلّط على الوطء دونه؟ قلنا: نذكر حكايةً مستفادة جرت للرشيد مع أبي يوسف، ونستاق الحكاية على وجهها، ثم نأخذ في أصلٍ من أصول الباب يشتمل على الجواب عن إمكان إسقاط الاستبراء.
قيل: عُرضت جوارٍ على الرشيد، فوقعت واحدة منهن الموقعَ، فحَرَص على الإلمام بها قبل الاستبراء، فراجع العلماء في إمكان ذلك، فلم ير واحدٌ منهم مسلكاًَ يُسقط الاستبراءَ، وكان أبو يوسف في أخريات القوم، فقال: يا أمير المؤمنين لو رُفع مجلسي، فرفع على الكل، فقال: يا أمير المؤمنين، سيدها [يزوّجُها](١)، ثم تشتريها مزوَّجةً، فيطلقها الزوج، فتحل لأمير المؤمنين من غير استبراء.
وروي أنه قال: يزوجها أمير المؤمنين من بعض خدمه، ثم يأمره بتطليقها، فتحل له من غير استبراء، وقد شَهرَ أصحابُ أبي حنيفة الهارونية بين أظهرهم، واختلفوا