للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بالوصول إلى الفم كالقطرة التي تغيب بمجاوزة الغلصمة، وقدّروا اختلاطها برطوبات الفمّ بمثابة اختلاطها برطوبات المعدة.

ومن أصحابنا من جعل الريق من حيث إنه من محلٍّ ملحقٍ بالظواهر بمثابة سائر المائعات التي يختلط اللبن بها؛ حتى يترددَ النظرُ في الغالب والمغلوب.

وقد نجز ما أردناه من تغايير اللبن بالصنعة والزمان والاختلاط.

١٠٠١٨ - ثم ذكر الشافعي بعد هذا حكمَ لبن البهائم، فلا تتعلق به حرمة، وهذا لا غموضَ فيه، ولكنه قصد بإيراده الردَّ على عطاء؛ فإنه جعل الصبيين المجتمعين على لبن بهيمةٍ أخوين، وهذا من فَضَحات مذهبه؛ فإن الأخوةَ فرعُ الأمومة والأبوة، وأخ الإنسان ابن أبيه وابن أمه، وإذا استحال تقدير الأصل، استحال الفرع.

١٠٠١٩ - ثم ذكر الشافعي لبن الميتة، فإذا ماتت المرأة، فاحتُلِبَ منها بعد الموت لبن، لم يتعلق به حرمةُ الرضاع عند الشافعي، فإن انفصاله جرى والجثة منفكة عن الحرمة الثابتة للأحياء، وخلاف أبي حنيفة (١) مشهور في ذلك.

ولو احتلب اللبن منها، وهي حية، فماتت، فتعاطاه الصبي بعد موتها، فالذي قطع به أئمة المذهب أن الحرمةَ تتعلق به، والسبب فيه أن الذي عليه التعويل في سقوطه [سقوطُ] (٢) حرمةِ الميتة؛ [فإنها] (٣) إذا ماتت واللبن في ثديها، فيتبعُ سقوطُ حرمة اللبن سقوطَ حرمة الأم؛ من جهة أنه اكتسب الحرمة من انسلاكه في مجاريها، وهي حية، فإذا لم ينفصل حتى سقط حرمتُها، فيسقط حرمةُ اللبن تبعاً، كما تثبت حرمتُه تبعاً.

وهذا المعنى إنما يتحقق إذا ماتت واللبن في ثديها، فأما إذا حُلب اللبن منها في حياتها، فسقوط حرمتها إذا ماتت يستحيل أن يتعدى إلى اللبن المفصول منها.

وبلّغني من أثق به أن القاضي كان يحكي وجهاً أن الحرمة لا تتعلق باللبن المحلوب


(١) ر. مختصر اختلاف في العلماء: ٢/ ٣٢٠ مسألة ٨١٤، مختصر الطحاوي: ٢٢٢.
(٢) زيادة اقتضاها السياق.
(٣) في الأصل: أنها.