ثم حكى عن الشافعي أنه قال: لا تحرم المستولدة على مولاها، وقال معترضاً: الرأي تحريمها؛ فإن العبد الصغير صار ابناً للمولى (١)، وهذه زوجة ابنه، وحليلة الابن تحرم.
فقال الأصحاب: إن صححنا النكاح، فلا شك أن الجواب المبتوت ما ذكره ابن الحداد، ولكن حمل الأصحاب النص الذي نقله على فساد النكاح.
ووجهوا للفساد ثلاثة أوجه: أحدها - أن التزويج من العبد الصغير لا يجوز؛ بناء على أن إجبار العبد الصغير على النكاح غيرُ جائز؛ من حيث إنه يُلزم ذمته مالاً.
والوجه الثاني في توجيه الفساد- منعُ تزويج المستولدة؛ فإنا قد نمنع ذلك في قولٍ، كما سيأتي مشروحاً في موضعه، إن شاء الله وحده.
والوجه الثالث - أن من زوج أمته من عبده، فالمذهب الأشهر والمسلك الأظهر أن النكاح يصح، وحكى الشيخ أبو علي وغيره وجهاً غريباً أن تزويج أمته من عبده غيرُ صحيح، وهذا -على بعده- موجه باستحالة ثبوت المهر، وإن كان كذلك، امتنع عقد النكاح؛ من جهة استحالة ثبوت العوض بالعقد وعند المسيس، وضاهى ذلك بدَلَ البضع.
ولست أدري أقدَّمنا ذكر هذا في النكاح؟ فإن لم نذكره، فقد ذكرناه الآن.
وإذا أفسدنا النكاح بوجهٍ من هذه الوجوه، لم تثبت الزوجيةُ مع الابن.
وإذا نكح ابنُ الرجل امرأةً نكاحاً فاسداً، ولم يطأها على الشبهة، لم تحرم على الأب، فإن النكاح إنما يحرِّم حليلة الابن على الأب وحليلة الأب على الابن إذا صح.
فهذا محمل النص الذي حكاه ابن الحداد.
وإن صححنا النكاح، فليس تحريم المستولدة على المولى مما يُتمارى فيه.
وقد نجز ما أردناه من تمهيد الأصل الثاني.
وقد حان أن نخوض في المسائل، ومعظمها منصوصة فلا يضر حفظها حتى تكون معتدة في الذكر وتتهذب الأصول بها، ونحن نأتي بها صورة صورة.
(١) تذكّر (لبن الفحل)، فالمولى هنا هو الفحل.