المسائل التي لا يتوصل فيها إلى درك الباطن، ولا ينقطع الحكم الذي جرى في الظاهر.
وإذا كان كذلك أطلق الفقيه القول بموجب الظاهر؛ من جهة أنه لا مطمع في ارتفاع هذا الحكم، وهذا بمثابة قولنا في مسألة الطائر، وقد قال زيدٌ: إن كان غراباً فامرأتي طالق، وقال عمرو: إن لم يكن غراباً فامرأتي طالق، وفات الطائر، وأُيس من الإحاطة به، فالحكم الذي يُجريه الفقهاء قاطبة أنه لا تطلّق زوجة واحد منهما، وهذا حكم متعلق بالظاهر، وإلا فزوجة أحدهما طالق في علم الله تعالى، غير أنه انحسم علينا مسلك الوصول إليه، وأيسنا من الإحاطة به، فأطلقنا الحكم بانتفاء وقوع الطلاق.
هذا حقيقة القول.
١٠٠٥٨ - وإن فرعنا على القول الثاني وهو أن اللبن يتبع نسب المولود في القيافة وانتسابِ المولود، فلو لم نجد قائفاً، ومات المولود الذي كنا نتوقع انتسابه، وقد أرضعت الأم باللبن الدار على الولد المتردد مولوداً، فما حكمه؟
أحسن مسلك في ذلك ما ساقه صاحب التقريب، فقال حيث انتهى التفريع إليه: في المسألة ثلاثة أقوال: أحدها - أن ولد الرضاع ينتسب [وينتمي](١) إلى من شاء منهما. والقول الثاني - أنه يحرم عليهما. والقول الثالث - أن الأمر موقوف.
من قال: ينتسب ولد الرضاع اعتبره بولد النسب، فإنه ينتسب إذا تعذر القيافة، ومن قال: يحرم عليهما، قال: الانتساب في الولد النسيب محمول على نزوع النفس، وما يجده المولود من الميل الذي جبلت النفوس عليه لا يجده المرتضع، فلا وجه إلا إثبات التحريم من الجانبين.
فإن قيل: هذا هو القول الذي حكيتموه في أصل المسألة: أن حرمة الأبوة من جهة الرضاع تثبت من الجانبين. قلنا: ليس كذلك، فإن ذلك القولَ المذكورَ في أصل