للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتختلف الحاجات، وقد ينتفى أصلها، فرأى الرجوعَ إلى الطعام الشرعي، وهو ما أوجبه الله في الإطعام في الكفارات، ولسنا ننكر أن الشارع رأى هذا قصداً وسطاً في الكفاية على الجملة، فكان التعلُّقُ به أولى متعلَّق.

ثم قال الشافعي: " في نص القرآن ما يدل على الفرق بين الموسع والمقتر " (١)، فإنه عز من قائل قال: {يُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: ٧] فاقتضى مضمونُ هذا الخطابِ الفرقَ في الإنفاق بين الموسع والمقتر، ثم نزّل الشافعيُّ نفقةَ المعسر على المدّ؛ فإنه أقلُّ مبلغٍ في الإطعام الشرعي، وطلب للموسع [متعلّقاً] (٢) شرعياً، [ورأى في فدية الأذى صرفَ مدّين] (٣) إلى كل مسكين، فاتخذه معتبره، ثم خطر له توسطٌ بين الموسع والمقتر؛ فإن ما يختلف باليسار والإقتار يجب أن يؤثر التوسُّطُ فيه، وهذا يظهر تقديره، فلم يجد في التوسط مستنداً شرعياً، فقال: مقدار النفقة على المتوسط للزوجة مُدٌّ ونصف.

هذا تأسيس مذهبه، فانتظم من نصوصه التي نقلها المزني وغيرُه أن على المعسر مُدّاً، وعلى الموسع مدين، وعلى المتوسط لزوجته مد ونصف.

١٠٠٧٩ - وإن كانت المرأة مخدومةً على ما سنصف ذلك في الفصل المعقود له، فعلى المعسر والمتوسط مُدٌّ للخادمة، وعلى الموسر مدٌّ وثلث.

هذا الذي نقلناه أصل المذهب.

١٠٠٨٠ - وقد حكى شيخي أبو محمد قولاً غريباً للشافعي مثلَ مذهب أبي حنيفة في أن الاعتبار بالكفاية، والرجوعُ عند فرض النزاع إلى اجتهادِ القاضي وفرضِه.

وهذا لم أره إلا لشيخي. نعم، حكى صاحب التقريب والشيخُ أبو علي في نفقة المتوسط والزيادة على المد في نفقة الخادمة في حق الموسر أنه لا تقدير في الزيادة، وإنما النظر إلى اجتهاد القاضي، هذا وإن كان بعيداً في النقل، فالحاجة ماسة إليه


(١) ر. المختصر: ٥/ ٦٩.
(٢) في الأصل: مبلغاً. والمثبت من صفوة المذهب.
(٣) في الأصل: ورأى في مدته الأذى ضرب مدّين ... إلخ وهو تصحيف مضلّل.