للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الولد، وليس هو خفي الأثر، والأجنبية لا تسد مسدّها في ذلك، والقولان يجريان والأجنبية تحابي وتسامح، والأم تطلب تمام الأجر.

ولا خلاف أن الأم لو كانت تطلب أكثر من أجر مثلها، فلا يلزم الأب التزام الزائد؛ إذ لا ضبط له ولا منتهى يوقف عنده، على أنه غبينة، وهي غير محتملة في الشرع، والدليل عليه أن الماء المفروض بثمن مثله يشتريه المسافر، وإن كان يباع بغبينة، تحوّل إلى استعمال التراب.

١٠٢١٩ - ثم تولّع الأصحاب رضي الله عنهم بأمرٍ واتفقوا على إجرائه في تفاصيلِ المذهب، ونحن نذكر ما ذكروه، فنقول أولاً: إن لم نجد للولد مرضعاً سوى الأم، تعيّن عليها الإرضاع بالأجر، ومؤونة الإرضاع على الأب بالاتفاق؛ فإنا قدمنا أن نفقة الصغير على الأب، ومؤونة الإرضاع مفتتحُ ما يلتزمه من النفقة، ولو لم نجد إلا أجنبية، ألزمناها أن ترضع الولد، إذا كان في ترك إرضاعه إشفاءُ على الهلاك، وهذا من إنقاذ الهَلْكَى، وهو يتعين على من يتمكن منه، إذا كان لا يوجد غيره، على ما سنذكر ذلك في تقاسيم فروض الكفايات في كتاب السير، إن شاء الله.

والذي أجراه الأصحاب أن قالوا: إذا وجدنا حاضنة مرضعة أجنبية، فلا يجب على الأم الإرضاع، ولكن يلزمها أن ترضعه اللِّبأ؛ فإن الولد لا يحيا دونه، وهو أوائل ما ينزل من اللبن.

هذا ما رأيته للأصحاب، ولم أر له تحقيقاً عند أهل البصائر، وكم من أم تُطْلَقُ وتموت في الطلْق، فتخلفها حاضنة في الإرضاع ويحيا المولود، ولكن ما ذكره الأصحاب هو المذهب وعليه التعويل، وقد يغلب موت ولد المطلوقة، وإن [احتضنه] (١) مراضع، وهذا من آثار انقطاع أوائل اللبن، والعلم عند الله تعالى.

وتمام البيان في ذلك أنا لا نشترط فيما نُلزمه من ذلك القطعَ بهلاك المولود، ولكن إذا ظننا هلاكَه، وووقعَه في سبب يُفضي إلى الهلاك بدرجة، فيجب السعي في دفعه، وإذا ظهر الضرار، وجب الدفع: فرضَ عين، أو فرضَ كفاية، فإن كان منعُ


(١) في الأصل: احتضنها.