هؤلاء الأعلام الذين ذكرناهم ليسوا كلَّ الفقهاء والمفتين في هذا الدور، بل هم رؤوس الفقه والفتوى في هذه الأمصار، والأقاليم، ولم يكونوا وحدهم، بل كان هناك فقهاء ومفتون في مختلف الأمصار الإسلامية، في الشمال الإفريقي، وفي أقاليم فارس، وغيرها.
وإنما عُنينا بهذه الأقاليم؛ لأمرين:
الأول:
أن هذه المنطقة: الجزيرة العربية، بحجازها ويمنها، وعراقها، وشامها، كانت هي مركز الدولة الإسلامية، التي كان فيها عُظْم الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسان، وحمل فقههم وعلمهم من التابعين.
الثاني:
أن الدولة الإسلامية ظلت حتى أوائل القرن الثاني الهجري، أو قرب منتصفه دولة مركزية تحت إدارة واحدة، وقيادة واحدة تخضع للحكم المباشر، الذي كانت هذه المنطقة مقرّاً له، ومن هنا كان التأثير العلمي والفكري لها وحدها إلى أن نمت وترعرعت مراكز علمية أخرى فيما استُقبل من الزمان.
خصائص الفقه في هذا الدور
- نتيجة لما تقدم من تغير في تكوين المجتمع وتوزع أهل الفتيا على الأمصار، وما جدَّ من عوامل أخرى، تميز هذا الدورُ من التشريع بمميزات أهمها:
* كانت مصادر الفقه كما هي في الدور السابق: الكتاب، ثم السنة، ثم الإجماع، ثم الرأي، وكانوا يأخذون بإجماع الصحابة إن وجد، فإن اختلف الصحابة، اختاروا من أقوالهم، وغالباً يأخذ كلُّ تابعي رأيَ شيخه من الصحابة (١).
(١) نشأة الفقه الاجتهادي وتطوره لأستاذنا فضيلة الشيخ السايس: ٧٨.