وأما ابتدار الناس إِلى هذه الصلاة، فالسبب فيه -والعلم عند الله- أن العَمَلَة وأصحابَ المكاسب يأوون ليلاً عند الغروب إِلى منازلهم، ووقت الغروب غير بعيد من وقت غيبوبة الشفق، فلو لم يبتدروا هذه الصلاة، لغلبَ فَواتُها على طوائفَ.
٦٥٣ - التفريع على القولين: إِن قلنا: يمتد الوقت إِلى غيبوبة الشفق، فلا كلام، وإِن حكمنا بأن الوقت لا يمتدّ إِلى الغيبوبة، فإِلى أي وقت يمتد؟ وما التفصيل فيه؟ هذا يستدعي تقديمَ أمرٍ في المواقيت هو مَعْنِيٌّ في نفسه، والحاجة ماسة إِليه فيما نحاوله من وقت صلاة المغرب على قول التضييق، فنقول: مذهب الشافعي أن الأفضل إِقامة الصلوات في أوائل الأوقات، وسيأتي ذلك في فصل بعد هذا.
٦٥٤ - والذي نذكره منه أن ضبط القول في إِدراك فضيلة الأوّليّة مختلف فيه، وحاصل القول فيه ثلاثة أوجه: وجهان ذَكرهما الشيخ أبو علي، والثالث ذَكرهُ صاحب التقريب.
فأحد الوجهين اللذين ذكرهما أبو علي أن وقت الفضيلة يمتد إِلى نصف الوقت في كل صلاة، ووجْهُ هذا، أنه ما لم يتم النصفُ، فمعظم الوقت باق، فيجوز أن يسمى مقيم الصلاة -والحالة هذه- موقِعاً صلاتَه في حدّ الأولية.
وهذا بعيد عنْدي؛ فإِن إِقامة الصلاة في أول الوقت يقتضي بداراً، ومن أخَّر الصلاةَ إِلى قريب من نصف الوقت، في حُكم المؤخِّر، ثم من يضبط بالنصف لاشك أنه يجعل البدار أولى، وهذا تقسيم أول (١) الوقت إِلى الأفضل وغيره.
والوجه الثاني: أن الفضيلة إِنما يُدركها من نطق تكبيرةَ العصر على أول الوقت، وهذا القائل يقول: لا يدرك فضيلة الأوّليّة إِلا من يقدم الطهارة، والتأهب على دخول الوقت، حتى قال هذا القائل: لا يتصور إِدراك فضيلة الأوّلية مع التيمم؛ فإِنَّ شرط التيمم أن يقع بعد دخول وقت الصلاة. وهذا سرفٌ ومجاوزة حدّ؛ فإنَّ الذين كانوا يبادرون الصلاة في أول الوقت كانوا لا يضيقون الأمر على أنفسهم إِلى هذا الحد، فكيف يتخيل المحصّل ثبوت هذا مع العلم بان الأذان والإِقامة كانا يقعان بعد دخول